للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ناصر أمير المؤمنين ضاعف الله أجره وثوابه وأكرم منقلبه ومآبه في سنة تسع وخمسين وخمس مائة (١١٦٣م).

وبما أن ألقاب السلطان التي وردت في النص الأول هي تقريباً نفس الألقاب التي وردت في النص الثاني يحق لنا أن نستنتج من ذلك أن المؤرخ نقل بأمانة عبارة الدعاء التي كان يتلوها الخطباء على المنابر، وقد يقع في بعض الأحيان أن يكون النص الأب على تناقض مع الكتابات المنقوشة فإذ أخذنا مثلاً برواية المقريزي علمنا أن قلعة دمشق استولى عليها التتار في ٢٢ جمادى الأولى سنة ٦٥٨هـ (٥ مارس ١٢٦٠) لكننا إذا رجعنا إلى كتابة نقشت على إحدى شرفات هذه القلعة وجدنا أن في هذه الكتابة ما ينق على أن استيلاء الأعداء على القلعة كان بتاريخ ٢١ جمادى الآخرة (٣حزيران) ولما كانت هذه الكتابة نقشت بعد جلاء المهاجمين وفي الزمن الذي شرع بترميم القلعة وإصلاح مبانيها بأمر من السلطان وتحت إشراف موظفي الدولة الذين خبروا شؤون الحادث وعرفوا يوم وقوعه فإنه من الصعب أن لا نميل لتفضيلها والأخذ بها دون غيرها من الروايات التاريخية التي ق تكون قد حرفت حينما أخذ أحد النساخ بنقلها دون أن يعيرها الاهتمام اللازم: وأن في هذين المثالين اللذين أضربهما لدليلاً على الفوائد التي تؤديها الكتابات المنقوشة في تحقيق المصادر التاريخية مقام ما فقد وضاع من السجلات المخطوطة وأن المؤرخ الصالح الحريص على نقل الحقائق ودفع الأغلاط يحتاج دائماً للمقابلة بين النصوص الأدبية والكتابات المنقوشة التي تكون أكثر نفعاً من المخطوطات في هدايته إلى التواريخ الحقة وأسماء الأعلام الصحيحة. وإذا كانت الكتابات المنقوشة تفيد في تحقيق الملومات التي نستخلصها من دراسة الأدب ونوادره فهي كثيراً ما تقوم مقامها وتغني عنها فتكون المستند الوحيد الذي يمكن الاعتماد عليه في تمحيص قضية معينة من قضايا التاريخ.

لقد ضاعت كما ذكرنا أكثر حجج الأوقاف الخيرية وفقدت قيودها القديمة وذلك بداعي ما وقع من الحوادث أو بسبب إهمال بعض موظفي الدولة الذين لم يراعوا الأمانة في حفظها فإذا حاولنا اليوم أن نعرف حقيقة الغاية التي رمى إلها الواقف والأسس التي قامت عليها إدارة أحد الأوقاف الخيرية لغز علينا الوصول لما يدلنا عليها سوى هذا النوع من الوثائق والكتابات المنقوشة على أحجار وجدران مباني الوقف وفي الحق أن الواقفين كثيراً ما

<<  <  ج: ص:  >  >>