الألقاب وتصنيفه وأصول منحها ومراتب الذين تمنح إليهم وسلطة عمال الخليفة ومواقفهم منه، إلا هذه الكتابات المنقوشة التي تدلنا بصورة موجزة، ولكن وفية وصحيحة، على الحالة الروحية وبعض صورها الاجتماعية في ذلك العصر.
إن الكتابات المنقوشة في عهد الملك الظاهر بيبرس تشير إلى أن الألقاب التي كان يلقب بها الملك هي كما جاء في العبارات الآتية:
مولانا السلطان الملك الظاهر ركن الدنيا والدين سلطن الإسلام والمسلمين قاتل الكفرة والمشركين قاهر الخوارج والمتمردين محيي العدل في العالمين ملك البحرين صاحب القبلتين خادم الحرمين الشريفين وإرث الملك سلطان العرب والعجم والترك إسكندر الزمان صاحب القران بيبرس الصالحي قسيم أمير المؤمنين
وهذه الألقاب، لا تنص فقط على الوظائف التي كانت تعد إذ ذاك من واجبات الملك (الجهاد المقدس ضد الصليبيين والذب عن حياض الإسلام وإقامة العدل) بل تستمد أيضاً أسسها من ساسة السلطان الذي أراد، بعد أن بسط حمايته في القاهرة على الخليفة العباسي الذي هزمه التتار، أن يجعل من مصر مركزاً لجميع البلاد الإسلامية.
ونهاية القول أن أبسط فائدة يمكن أن نذكرها للكتابات المنقوشة هي أنها تبين لنا بالضبط والدقة تاريخ البناء الأثري الذي نقشت عليه. فعلماء الآثار في أوربا الذين يحاولون تحديد مراحل التطور في فن البناء في القرون الوسطى لا يجدون لديهم من الوثائق بهذا الصدد ما يؤيد لهم تاريخ إنشاء البناء سوى وثائق خطية نادرة مما كتبه المؤرخون في السجلات المخطوطة أو مما رواه الرواة في ذلك العصر وهذا ما يضطرهم لأن يجددوا تاريخ البناء الأثري الذي يجعلونه موضع درسهم على وجه من التقريب يتراوح بين ربع ونصف قرن. أما في الشرق فليس من بناء أثري تقريباً لا يحتوي (أو لم يحتو) على كتابة منقوشة ينص فيها على اسم بانيه وتاريخ بنائه.
وبفضل هذه النصوص فقد أصبح لعلم الآثار وتاريخ في الشرق عدد كبير من المصادر الأساسية وهي من الدقة بمكان يمكن معه تحديد مراحل التطور في فن البناء بكل ثقة واطمئنان. هذا ولا ندري إن كان في هذه العجالة التي أوجزنا في سطورها فوائد الكتابات العربية المنقوشة ما يكفي لأن يسترعي اهتمام بعض طبقات الناس فيذكرهم بما في