للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأولى شروط الحياة الاقتصادية. ولا شك في أن ابن خلدون من الذين سبقوا (كارك ماركس) إلى الفكرة الأساسية في نظرية (المادية التاريخية) التي تجعل للاقتصاد، أي للمادة المقام الأول في تكييف حياة البشر. وقد قال ابن خلون: أن اختلاف الأجيال في أحوالهم إنما هو باختلاف نحلتهم من المعاش.

أي أن نطور الأوضاع الاجتماعية والتاريخية تابع لتبدل الشروط في الحياة الاقتصادية وهذه النظرية التاريخية تقصر كل همها على الأزمات الاقتصادية ولا ترى في الأزمات السياسة والاجتماعية والفكرية بل والدينية أيضاً سوى نتائج طبيعية للأزمة الاقتصادية.

فالأزمات التاريخية في نظر ابن خلدون ليست من آثار المصادفات أو من دلائل النقمة السماوية بل أنها خاضعة لقوانين طبيعية عامة ويمكن تعليلها كنتيجة محتمة وظاهرة لا مناص منها في مجرى التطور التاريخي.

يرى ابن خلدون أن أمم إذا دخلت في طور الحضارة الذي يعتبره آخر مراحل سيرها، فلا بد أن تجتاحها الأزمات المتعاقبة إلى أن تضمحل قواها الحيوية وتتدهور ف هاوية الهلاك.

وهو يعلل ذلك تعليلاً اقتصادياً بحتاً فيقول أن تفنن الأمصار في الحضارة يزيد في نفقات أهلها وارتفاع الأسعار في أسواقها ثم يزداد الغلاء بكثرة المكوس التي تضعها الحكومات في عهد استفحال الحضارة وهكذا تعظم نفقات أهل العمران وتخرج عن القصد إلى الإسراف ونتيجة ذلك، بطبيعة الحال، كساد الأسواق وفساد المدنية. (أنظر: فصل في أن الحضارة غاية العمران ونهاية لعمره).

وفي فصل آخر من المقدمة يبين ابن خلدون بأن المجاعات والموتان تكثر في أواخر الدول وذلك لقبض الناس أيديهم عن الفلح بسبب ما يقع في آخر الدولة من العدوان في الأموال والجبايات أو الفتن الواقعة في انتقاص الرعايا وكثرة الخوارج لهرم الدولة (فصل في وفور العمران آخر الدولة وما يقع فيها من كثرة الموتان والمجاعات)

ولما كان العالم اليوم في أزمة اقتصادية عامة ظهر تأثيرها في جميع آثار الحياة الاجتماعية والسياسية والفكرية نرى من المفيد استعراض النظريات المختلفة التي حاول أصحابها، مثل ابن خلدون، تعليل الأزمات التاريخية تعليلاً اقتصادياً.

إن أول من بحث في الأزمات الاقتصادية بين علماء الاقتصاد والاجتماع الأوروبيين هم

<<  <  ج: ص:  >  >>