وتعدد الحاجات، وارتقاء الاختراعات الصناعية كل ذلك لم يحسن مصير الإنسان ولا خفف من شقائه. ولا تقع تبعة ذلك على العلم لأن العلم لا يبحث عن السعادة ولا عن الشقاء. فلا محيد إذن عن التقدم العلمي. ولئن كان في التقدم حياة فليس في السكون واتباع التقاليد كمال. ولذلك انتقد هنري برغسون فرائض الديانات الاتباعية كما انتقد صور المدنية المزيفة. لأن المثل الأعلى عنده هو الحب. والحب هو الإبداع. فمما قاله في ذلك: إن ذات الإله هي الحب، ولكن هل نحب للحب ذاته، أم نحب لشيء آخر غير الحب؟ إن العواطف السامية قائمة بذاته، وهذه الموسيقى تدل على الحب، كأن لكل موسيقى حباً، ولكل حب موسيقي. إلا أن هذا الحب ليس حب شخص من الأشخاص. إذا تغيرت الموسيقى تغير الحب كأن هناك فلكين لعاطفتين متلفتين أو عطرين متباينين. وفي كلا الحالين لا نعرف الحب بغايته بل نعرفه بذاته وهو هو لم يتغير. . . ولكن من ذا الذي يعشق للعشق نفسه من غير أن يكون له معشوق؟
ألا يقول المتصوفون أن الإله محتاج إلى الناس كما أن الناس محتاجون إليه؟ فالإله عاشق وهو بحاجة إلى معشوق؟ كما أن الإبداع هو خلق كائنات مبدعة جديرة بأن تعشق.
إلى مثل هذه النتائج الساحرة يوصلنا هنري برغسون بلغته الشعرية ولو ساعدنا المكان لنقلنا جميع آرائه في المدنية الحديثة. إلا أننا نقتصر عل بعضها: فمنها قوله أن الحرب ضرورة طبيعية ناشئة عن تزايد السكان وفقدان الأسواق التجارية ونقص المواد الأولية. وإنه لا يمكن منعها وإخماد نارها إلا بمعالجة أسبابه الطبيعة كمراقبة ازدياد السكان وتنظيم الإنتاج وغير ذلك وأنه لا نجاح لعصبة الأمم إلا إذا شاركت الدول في وضع شرائعها الداخلية فلا بد إذن من تنظيم الإنتاج وجعله متناسباً مع الاستهلاك. ولا بد من رادع عقلي يوقف الغريزة عند حدها. وقد أدرك اليونان ذلك من القدم فجمعوا في أساطيرهم بين (فينوس) آلهة الحب و (مارس) إله الحرب. ومعنى ذلك أن الأمر إذا وسد إلى (فينوس) فانتظر الساعة، لأن فينوس هي رمز الغريزة فيجب كبح جماحها وإيقافها عند حد العقل. ولعل الإصلاح لا يكون إلا بالرجوع إل الحياة البسيطة وتخفيف الرغائب والحاجات وهذا يقتضي العدول عن إتباع اللذة في سبيل اللذة.
ومن الآراء التي جاء بها هنري برغسون أن المرأة مساوية للرجل في المارك العقلية وإنها