في الشريعة السمحة الإسلامية، وفسروا القرآن تفسيرا باطنيا.
والشيخ محمد عبده، وهو من حكماء الصوفية المتأخرين، كان يقول إن التفسير الباطني المنسوب إلى ابن عربي والمطبوع في جلدين هو للشيخ الكاشاني الباطني، وفي بعض كتب الصوفية ذكر للبراهمة وتفريق بين كشفهم والكشف الصوفي بكون الهندية صوريا وظلمانيا، والإسلامية معنويا ونورانيا.
هذا غيض من فيض مما في ثقافتنا الصوفية من إشارات لما خالطها من الدخائل التي عمرت صفوها، وباعدت بينها وبين تصوف السلف، وأما الباحثون من المستشرقين قهم كذلك مختلفون في تخصيص هذه العناصر الغربية، فالأستاذ بروان مثلا يذهب في كتابه النفيس تاريخ فارس الأدبي إلى أن ما ينزع من التصوف إلى حلول هو من أصل فارسي، وما يتعلق بالفلسفة فمقتبس معظمه من الأفلاطونية الجديدة - ومنهم فون كريمر الذي يرى أن نظريته الفناء في التصوف مثلا هي من التعاليم البوذية، وان الذي نقلها إلى العرب هو أبو يزيد البسطامي البلخي الذي أخذها عن مربيه أبي علي السندي، وقد بالغ كثيراً باعتقاده إن للمدرسة الفلسفية الهندية أعظم التأثير التصوف الإسلامي.
وأما نيكلسون تلميذ بروان والذي نشر كثيرا من كتب السلف في التصوف وألف كثيرا فيه فقد خالف أستاذه على ذلك بملاحظة دقيقة وهي حياة كل نم إبراهيم بن ادهم وشقيق البلخي اللذين عاشا في بلخ على اتصال وثيق بالبوذية وليس مع ذلك في أقوالهما ما يدل على الفناء، فهو لذلك يرجح تأثر التصوف بالرهبنة النصرانية والفلسفة الأفلاطونية الجديد، واستشهد لذلك بأقوال ذي النون المصري ومعروف الكرخي اللذين عاشا في زمن الرشيد انتشرت فيه الثقافة الإغريقية النصرانية.
هذا ولم يقتصر تأثير النصرانية وحدة فقد أثرت كذلك في زعم بعض المستشرقين على الكلام حتى ذهب منهم فون كريمر إلى أن فرقه المعتزلة نشأت من النصرانية لان آباء الكنائس كانوا يتجادلون في حرية الإرادة وبعبارة أخرى في مسألة القدر كما كانوا يتجادلون في صفات الله، وقد رد عليه الأستاذ احمد أمين في ضحى الإسلام (١) ذلك السفر الممتع مبينا له إن مسألة القدر مصدرها الكتاب والسنة واستشهد لذلك بكثير من الآيات وبورود أحاديث كثيرة تتعرض للقدر، كذلك رد على غولدزيهر نظرة تبجيل الفقر وإنها نصرانية