بحتة واستشهد على كونها إسلامية صرفة بما ورد في القرآن نفسه من الآيات التي تمجد الفقراء الصالحين، وبهدي الرسول الذي عف عن الغنى ولم يشأ أن يكون غنيا وكان ذلك في إمكانه، كذلك بين لغولدزيهر إن دخول أقوال من الإنجيل في الحديث قد ادخلها فيه مسلمة النصارى، ونحن لا ننكر إن الإسلام فيه روح من التعاليم الآلهية النصرانية فان الإسلام على رأي الحكم الأفغاني هو نصرانية وزيادة، وفيه كذلك روح من الموسوية الصحيحة.
اشرنا في كلمة التصوف الأولى على إن أصوله كلها موجودة في الكتاب والسنة وفي هدي الصحابة والسلف الصالح، لان غاية التصوف تطهير النفوس وتهذيب الأخلاق، بيد إن هذه الأصول قد أخذت في التفرع منذ صدر الإسلام، والأصل الأول الذي ابتدأ التصوف منه هو الورع في العبادات والمعاملات، فان روحه ما زالت تنمو في القلوب الوجلة من الذنوب، وقوته ما برحت تهيمن على الأرواح المشفقة من غضب المحبوب حتى جمحت بكثير من أرباب الورع الصادق إلى الزهد، فالورع مقدمه والزهد نتيجة، وإلى هذه الحقيقة أشار أبو سليمان الداراني بقوله: الورع أول الزهد كما إن القناعة أول الرضا، وجاء في منازل السائرين للعارف الهروي إن الورع أول مقام للمريد.
وهذا الزهد قد غلب إطلاقه على المعنى الذي عرفه ابن خفيف به إذ يقول: الزهد سلو القلب عن الأسباب، ونفض الأيدي من الأملاك وهذا الزهد لم يكن بهذا المعنى متفشيا بين الصحابة الذين فهموا روح الإسلام، وفهموا معنى قوله تعالى: ولا تنسى نصيبك من الدنيا، وأحسن كما أحسن الله إليك يدل على ذلك إن الرسول (ص) حث مرة على الصدقة فجاءه الفاروق بنصف ماله، فقال له الرسول وما أبقيت لأهلك فقال له: مثله أي أبقيت نصف مالي الآخر، قال ابن جرير الطبري وفي هذا الحديث دليل على بطلان ما يقوله جهلة المتصوفة إن ليس للإنسان ادخار شيء في يومه لغده، وان فاعل ذلك قد أساء الظن بربه ولم يتوكل عليه حق توكله.
وقال الحسن البصري: ليس الزهد في الدنيا بتحريم الحلال، ولا إضاعة المال ولكن أن تكون بما في يد الله أوثق منك بما في يدك، وان تكون في ثواب المصيبة إذا أصبت بها ارغب منك فيها لو لم تصبك ولعمري إن هذه الكلمة لمن جوامع الكلم في الزهد.