ومراقبتها في أماكنها وجمعها كمواد يدرسها علم الاجتماع ويقابل بعضها ببعض فيستخرج منها دساتير علمية ثابتة؟
ومن الغريب الذي نكاد نميل معه إلى الاعتقاد بتحامل الأستاذ غولميه هو انه لم يتطرق في مقاله كله إلى ذكر الاتنوغرافيا أي وصف الأقوام والشعوب الذي يعد اليوم احد أركان علم الاجتماع فيبين لنا الفرق بينه وبين وصف الجماعات الذي يشيد بفوائده وصحة أسلوبه ولعله لو فعل ذلك لعز عليه أن يؤيد ما ذكره من عدم صحة أكثر الحادثات الاجتماعية التي يجمعها العلماء وصعوبة الوصول إلى ما يمكن أن يعتد به العلم منها، لان علماء الانتوغرافيا قد توصلوا اليوم إلى تلافي كل ما من شأنه أن يدعو للشك بصحة وصف الأوضاع الاجتماعية وان للمعاهد والمجامع الانتوغرافية وعلى الأخص في انكلترا وأمريكا من الوسائل وإعداد الأخصائيين الذين انصرفوا إلى هذا العلم دون سواه مالا نظن انه يخفى على الأستاذ غولميه، فوصف الجماعات هو كوصف الشعوب والأقوام وكلا الأسلوبين هو مما يهيئ لعلم الاجتماع مواد صحيحة يجمعها تبعا لما تقتضيه قواعد هذا العلم الذي لولاه لما وجدت هذه الأصول ولما نشط العلماء لدرسها والتعمق في جميع فروعها.
بضيق بنا المجال في هذه الرسالة أن نورد أكثر مما أوردناه في تفنيد بعض ما أدلى به الأستاذ غولميه من الشواهد على ما يدعيه من لزوم إحلال وصف الجماعات محل علم الاجتماع ولكن لا بد لنا من أن نشير إلى أمر هام أورده في مقاله دون أن يتعرض لبيان أسبابه. فلقد ذكر أن علم الاجتماع يستهوي الكثيرين من الشبان في بلادنا ولعلة لو بحث عن السر في ذلك لعرف أن هذا العلم لم يستهونا إلا لأننا رأينا فيه ضالتنا التي ننشدها، وشعرنا بأننا أحوج ما يكون لدرسه وتفهم قواعده، فأوضاعنا ونظمنا وأكثر مناحي حياتنا الاجتماعية بحاجة للإصلاح بعد أن جمدنا حينا من الدهر ثم نهضنا نسير الهوينا وإننا إذا انصرفنا إلى هذا العلم الجديد واهتمامنا بأمره فما ذلك إلا لأننا وجدنا فيه ما يعيننا على هذا الإصلاح ويرشدنا إلى الطريق التي يجب أن نسلكها في تجددنا وتطورنا ومجاراة غيرنا ممن سبقنا من الأمم، فهو ينبهنا إلى أن ماضينا لا يموت وان حاضرنا يحتاج إلى الاستقصاء والدرس وان مستقبلنا بأيدينا إذا علمنا ما يجب أن نهيئ له، ولعل هذه الحاجة