روعتها القاعدة الأولى التي وضعها دور كايم لعام الاجتماع ومفادها انه من الواجب على الباحث الاجتماعي أن يعتبر الحادثات الاجتماعية كالأشياء وقصده بالأشياء كما أوضح ذلك لاخصامه في مواقف كثيرة الأشياء المنفصلة عنا والتي لها كيان قائم بذاته. وغايته التي رمى إليها في اعتبار الحادثات الاجتماعية كالأشياء هو أن يتجرد الباحث ما استطاع عند درس الحادث الاجتماعية عن كل عاطفة وهوى يقومان في النفس فلا يترك مجالا في الاستقصاء والتتبع والتحليل لسوى العقل السليم والمنطق الصحيح، فالعلم لا دين ولا وطن له والقواعد العلمية هي هي في كل زمان ومكان لا يصح أن تنال لقب العلم إلا بهذه الصفة العامة الثابتة.
لم يشأ صديقنا الأستاذ جان غولميه أن يصرح في مقاله انه من أولئك الناقمين على هذا التجدد في المباحث العلمية بل حاول أن يثبت انه ليس لعلم الاجتماع بعد من الحادثات الاجتماعية التي درست في مختلف الأقطار ما يكفي لان نستخرج
منه بطريق الاستقراء قوانين اجتماعية عامة لا تقل ثباتها وصحتها عن بقية القوانين العلمية وان ما جمع من هذه الحادثات الاجتماعية حتى اليوم أكثره مشكوك في صحته لا يمكن للعلم إن يتخذ حجة يعتد بها ولذلك فحري بعلم الاجتماع الذي يستعجل الشيء قبل أوانه أن يتلاشى ويخلي المكان لشيء آخر سموه (سوسيو غرافيا) أي وصف الجماعات الذي يكتفي بوصف الحادثات الاجتماعية في مختلف الأقطار دون أن يتعرض لشرحها وتفسيرها واستنباط سنن اجتماعية من مقايستها ومقابلة بعضها ببعض. والغريب في ذلك أن الأستاذ غولميه يقول هذا وهو يعرف حق المعرفة أن كل علم من العلوم يستحيل عليه أن يوفق، وعلى الأخص في بادئ عهده لجمع كل الحادثات والأشياء التي يمكن أن تكون مدار بحثه ومصدر قواعده. فإذا كان في علم الكيمياء مثلا أجسام كثيرة لم تعرف خصائصها بعد ولم يتوصل العلماء لاكتشاف صفاتها فليس معنى ذلك أن علم الكيمياء يجب أن يتلاشى ويخلي المكان لفرع من فروعه يقتصر على الوصف دون الاستنباط. ومن المعروف أيضا أن أسلوب وصف الجماعات هو فرع من فروع علم الاجتماع يساعد على جمع الحادثات الاجتماعية ووصفها وإعدادها. وأي شأن لهذا الأسلوب لو لم يبين علماء الاجتماع الفوائد العملية المتأتية عن وصف الحادثات والأوضاع الاجتماعية وتشخيصها