التجارة، أما استثمار المال بالمال فلا يريده الله.
فقلت - ولكن أنت يا سيدي الست موظفا كبيرا؟ إن راتبك ضخم وليس لك تجارة تستثمر بها ما يزيد عنك. فماذا تصنع بهذه الزيادة. إلا تشتري بها أسهما مالية؟
فقال الشرقاوي، وكنا نجتاز سوق الحدادين بين نغمات المطارق:
- معاذ الله، كيف استطيع أن املك الأسهم المالية وأحافظ على ديني؟ لقد اضطرتني الظروف في بعض الأحيان أن أودع أموالي في بعض المصارف، ولكنني كنت في كل مرة ارفض الفائدة.
فقلت - ولكن يا سيدي يجب على المسلم أن يفكر في مستقبله! فماذا تصنع إذا طعنت في السن، بل ماذا يصنع هؤلاء الباعة؟
قال - إن حاجات الإنسان تصبح في الشيخوخة قليلة جدا. ومن السهل عليه تأمين حاجاته ببيع احد عقاراته التي اكتسبها في صيف حياته. الشيخ لا يحتاج إلى عدد كبير من النساء ولا إلى كمية كبيرة من الغذاء، بل يكفيه من ذلك كله شيء قليل.
ويمكنه أن يقتصر على حديقة صغيرة في بيته يخصصها لنزهاته القصيرة.
قلت - ولكن يا سيدي يجب توقع كل شيء، ماذا يصنع الشيخ إذا عاش أكثر مما كان ينتظر، فباع كل عقاراته ولم يبق له شيء أليس من العقل أن يبتاع أسهما مالية أو سندات تجارية يعيش من فائدتها حتى الموت؟.
قال - انه يجد عند ذلك في أولاده عونا على الدهر.
قلت - وإذا لم يكن له أولاد فماذا يصنع -؟
قال - انه يكل أمره عند ذلك إلى الله، والله لا يترك أحدا. .
وكنا نسير إذ ذاك في سحاب من الطيب، وكانت أوراق الورد وأزهار البرتقال تتساقط من سلات القصب. وكان الحمارون يصرخون بالك، بالك،
والنساء يبتعن الأزهار والشيوخ يقولون لنا السلام عليكم، وكانت أشعة الشمس محرقة بينما رفيقي الشرقاوي يمشي بقدم ثابتة لا تقوى على حمل حذائه الثقيل. فرددت في نفسي عبارة الشرقاوي: إن الله لا يترك أحدا.
ثم قلت له: