- هل تظن إن الله يهتم بما يجري في هذه الدنيا وهي حفرة من الوحل فيلهو بمصير كل واحد منا ويحول دون موت الفقراء جوعا ويحرس أموال الناس؟
قال وهو ينظر إلي بدهش
- وهل تشك في ذلك يا سيدي؟
- قلت - أود لو اصدق ذلك، ولكنني لا أخفي عليك إنني إذا نظرت إلى ما يحيط بي من الأشياء لا أجد أثرا لهذه الحكمة الربانية والعناية الإلهية، والدنيا لا توالي إلا الأشرار ولا تكافئ إلا الطماعين، ولا تؤيد إلا المغتصبين. أما الفاضل في الطول شقوته! الأمراض تفترسه والجوع يضنيه. إلا ترى كيف يعشق الرجال المرأة اللعوب ويعرضون عن المرأة الفاضلة!؟ قال - انك كثير الاهتمام بالحاضر، ولولا ذلك لما زعمت أن الأشرار سعداء. كنت وأنا في ريعان الحداثة ألوم الزمان مثلك، وأتظلم من تغلب عدوي علي بالرياء والكذب والافتراء، فكنت اغضب من ذلك، وأريد أن أنازل خصمي وافضح فعله. ال أنني أدركت الآن معنى رواية الحياة، وعلمت أن الدهر دولاب، يوم لك ويوم عليك، وسينقلب الزمان على عدوي شر منقلب من غير أن أزعج نفسي واقاسي مضض الانتقام
- قلت - وكيف ذلك، هل تريد أن تقول أن كل شرير ينال عقابه في هذه الحياة، الم تر كيف يموتون وهو راتعون في بحبوبة العيش، رافلون في حلل السعادة؟
- لعل بلدكم مراكش يختلف عن البلدان التي شاهدتها في أوربا وأميركا!
فقال لي، وقد أوقفه احد البائعين ليسمح رداءه بشيء من الطيب.
- عفوا يا سيدي، لم اقل أن كل شرير ينال جزاءه قبل الموت بل شاهدته أنا أيضا بعض الأشرار يموتون قبل أن ينالهم العقاب. ولكنني اعرف أن الله سيعاقب أولادهم وأحفادهم حتى الجيل العاشر. ومهما تحاول تبديل الأشياء فلن تفلح أبدا. لأنه لا مرد لحكم الله وكل شيء مقدر مكتوب
وكنت لا تسمع إلا قول الحمارين بالك. بالك، ولا ترى في مدخل الأسواق عند ساحة (جامع الفنا) إلا زمرا من الفقراء، بينهم خمسة عبيد عميان يطلبون الصدقة. وكان مقدمهم ينشد بعض الأذكار بنغمات محزنة ثم يتبعه الأربعة قائلين آمين. ثم يعود المقدم إلى الإنشاد على نمط واحد بينما المارة يقفون وينظرون ويتصدقون