معظم الحالات. فان العالم الكبير في التشريح (فزاليوس) ثم (ميخائيل سروت) الذي كان أول من عرف دوران الدم بين الرئتين والقلب قد ذهبا ضحية لظلم محاكم التفتيش التي كانت تعتبر دراسة الجسم الإنساني من بدع الكفار.
على أن شهداء الطب بالمعنى الصحيح ليسوا هم الذين علقوا على المشانق أو حرقوا بالنيران بسبب جهل الحكام وتعصبهم بل
الذين تقدموا إلى الموت في سبيل مكافحة الأمراض السارية في العصور الحديثة. فان الأطباء الذين يعالجون المصابين بالوباء أو الكوليرا أو المالاريا أو التيفوس إنما يخاطرون بأنفسهم مختارين لأجل كشف أسرار هذه الأمراض ومعرفة أسبابها المجهولة.
وفي أواخر القرن الماضي، لما قام الطبيب (نوت ناغل) بمخبره في (فينا) بفحص الوباء أصيب اثنان من المستخدمين بهذا المرض فلم يمنع ذلك معاونه الدكتور (هرمان موللر) من زيارتهما في حجرتهما حيث أصيب هو أيضا بالوباء ومات على الأثر.
والباحثون ذوو الإقدام من الأطباء مثل (نوت ناغل) أو (بيتنقوفر) كانوا لا يجدون في طريقهم إلا العراقيل التي تدفعهم إلى الموت دفعا. ومن هؤلاء الأطباء (جينر) الانكليزي الذي اخترع طعم الجدري والذي يعد من اكبر خدام الإنسانية فانه طول حياته عرضة للاضطهاد
ولما اخترعت أشعة (رونتكن) التي كشفت لنا القناع عن كثير من الأمراض - عدا الاستفادة منها هي نفسها كدواء - ذهب عدد كبير من الباحثين ضحية في سبيل معرفة خواصها وأسرارها. فان فحص هذه الأشعة كان في أول الأمر محفوفا بالأخطار وقد أصيب الكثيرون من الذين اشتغلوا بها بمختلف الأمراض والعاهات.
وكذلك فان عددا كبيرا من الأطباء الذين قاموا بتجربة الوسائل المختلفة على أنفسهم لمعرفة أنواع (التبنيج) الصالحة قد ماتوا شهداء في سبيل علم الطب. . .
الأدب والأخلاق
تعرض الكاتب الطلياني (آدريانوا تيلغر) في احد مباحثه الأخيرة للبحث في علاقة الأدب بالأخلاق فقال:
إن العامل الأخلاقي هو العامل الوحيد الذي يقوم عليه نظام الحياة البشرية.