خلكان يقول في وفيات الأعيان ج ١ ص ٤٣ في ترجمة أحمد ابن فارس (٣٢٩ - ٣٩٥) أنه وضع المسائل الفقيهة في المقامة الطيبة وهي ماية مسألة وكان له رسائل أنيقة ومسائل في اللغة تغالى بها الفقهاء ومنه اقتبس الحريري صاحب المقامات ذلك الأسلوب وعليه اشتغل بديع الزمان الهمذاني صاحب المقامات فإذا كان الحريري (٤٤٦ - ٥١٦) اقتبس من ابن فارس فما بالك ببديع الزمان الذي سبق الحريري بنحو قرن والذي هو تلميذ ابن فارس الخاص لازمه حتى استنفذ ما عنده كما يقول الثعالبي في يتيمة الدهر؟ ولكن مقامة ابن فارس مفقودة فلا يمكن المقابلة بينها وبين مقامات البديع.
على أن أبا اسحق الحصري صاحب زهر الآداب المتوفي سنة ٤٨٨ لا يجعل ابن فارس أول من انشأ المقامات بل يعزوها إلى ابن دريد (٢٢٣ - ٣٢١) ويجعل أحاديثه التي أنشأها هي التي أوحت للبديع إنشاء مقاماته. قال الحصري في زهر الآداب ج ١ ص ٢٣٥: ولما رأى البديع أبا بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي أغرب بأربعين حديثاً وذكر أنه استنبطها من ينابيع صدره وأنتجها من معادن فكره وأبداها للأبصار والبصائر وأهداها إلى الأفكار والضمائر في معارض حوشية وألفاظ عنجهية فجاء أكثرها تنبو عن قبوله الطباع ولا ترفع له حجب الأسماع وتوسع فيها إذ صرف ألفاظها ومعانيها وفي وجوه مختلفة وضروب منصرفة عارضه بأربعماية مقامة في الكدية تذوب ظرفاً وتقطر حسناً لا مناسبة بين المقامتين لفظاً ولا معنى عطف مساجلتها ووقف مناقلتها على رجلين سمى أحدهما عيسى بن هشام والآخر أبا الفتح الإسكندري وجعلهما يتهاديان الدر ويتنافثان السحر في معان تضحك الحزين وتحرك الرصين وتطالع منها كل طريفة ويوقف منها على كل لطيفة وربما أفرد بعضهما بالحكاية وخض أحدهما بالرواية
فقول الحصري يدل على أنه أطلع على تلك الأحاديث لأنه يصفها ويقارن بينها وبين مقامات البديع ويذكر خصائص كل منهما. وقد نقل هذه الفقرة ياقوت الحموي في معجم الأدباء ج١ ص ٩٨ بترجمة البديع.
ولكن المستشرق الألماني الأستاذ بروكلمن يقطع أمل كل باحث من العثور على تلك الأحاديث إذ يقول في النسخة الانكليزية من دائرة المعارف الإسلامية بمادة مقامة ما معناه: أما كون بديع الزمان أخذ فكرة إنشاء المقامات من الأربعين حديثاً التي وضعها ابن دريد