للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مندوحة لنا عن تقرير قيمته وخطره، وهو هل كان الأدباء في فجر نهضتهم الحديثة يدرسون الأدب العربي ويسيغون فنونه ويذيقون ما فيه من روعة وجلال كما هو شأنهم اليوم على رغم ما يجدون من عنت وعناء وجهد في بحوثهم ودراساتهم في الكتب الأدبية الباقية في أيدينا من تراث أسلافنا وهي كما لا يخفى على الباحث كثيرة البلبلة والتشويش والتشتيت، تحتاج إلى استثمارها واقتناه أسرارها لتجار لغة عصرنا ومنهجه وروحه ومصطلحا ته.

إن الرجل الأديب لم يزج بنفسه تحت أعباء هذا العمل المرهق إلا أسلافهم ولا ريب في أن محاولته الأولى كانت شاقة ومدنية لأنه لم ينشأ نشأة فيها شيء من الاستعدادات لذلك فالبعث الأدبي التي تقوم عليه نهضتنا الحديثة تشوبه روح أجنبية وتعليم غير عربية بثهما فيه رجال غير عرب حريصون على ترويج ثقافتهم وطبع المتعلمين عليها فهل نعجب والحالة هذه إن وجدنا المرأة مقصرة عن الرجل في هذه الحلبة لاسيما وهي لا تزال في فجر نهضتها يطلب منها كأديبة ناشئة أن تلم إلماماً صحيحاً بأحوال عصرها وتلاحظ ما يتعاوره من لمظاهر المتأخرة وتدرس ما قد يقع تحت حسها وعقلها من قضايا الحياة لتفهم بواعثه وأسبابه وتفقه أعراضه

وآثاره وتدرك مراميه ونتائجه؟ وبعد فإني أسأل بحق هل أخذت المرأة من كل ذلك بنصيب يذكر حتى نريدها أن تعكف على الأدب العربي فتدرسه دراسة صحيحة فيها لذة ومسرة ومنفعة، وقد رأينا عناء الرجل فيه ثم تحدثنا عنه في لهجة المتفهم له لا ريب عندي أن انصراف الفتيات عن الأدب العربي يتأثر إلى حد بعيد بالعوامل التي ذكرناها آنفاً باقتضاب، وتقع فيما أرى تبعة ذلك على عاتق الرجل الذي هو قدوة المرأة في كل لون من ألوان الحياة، تجاريه في خطاه باعتباره أرسخ منها قدماً في ممارسة هذه الأمور فلو أحسن أعمال الترويج للأدب العربي ودرسه كما يدرس آداب الأمم التي تثقف في معاهدها واستمد من مواردها متداركاً ما يعتروه من بلبلة وتشويش تستبهم بهما معالم جماله ورونقه - لما وجدت الفتيات بعد أن يذقن ما فيه من روعة وبهاء - سبيلاً إلى الإعراض عن دراسته ولما يكن يفضلن عليه أدباً مهما يكن له من قيمة في نظرهن، وعلى ذلك فالجهل بقيمة الأدب العربي عامل آخر يصدر الفتيات عن تذوقه وترشفه بلذة وشوق والإنسان كما قيل

<<  <  ج: ص:  >  >>