منتزهات الزبداني وبلودان حيث كانت تسير سافرة الوجه فلم أجد في سلوكها وفي أوضاعها ما يدل على كل ما سمعته أنت عنها. قال علي بك وقد تكلف الهدوء والتؤدة: أي موجدة تريد أن أحمل في نفسي على فتاة لم أرها قط؟ فتفرنجها لا يهمني بشيء لولا أني أغار على سمعة العائلة التي تنتسب إليها، ثم أخشى أن تكون شهيرة هذه مثالاً لبقية فتياتنا من بنات العائلات في سوء تصرفها بهذه الحرية التي منحها إياها ذووها. . فأنا إذا اندفعت في القول فما ذلك إلا حرصاً على روابط العائلة وحباً بالمصلحة العامة.
ورأى حسن أفندي أنه قد آن لهما أن ينصرفا عن الحديث إلى غيره فنظر إلى ساعته وهو يقول: هاهي الساعة السادسة ولعلنا نصل صوفر أبكر مما حسبنا. قال علي بك، مجارياً رفيقه فيما أراده: مابرحت على أن نعود إلى دمشق في الصباح الغد فتكتفي بقضاء الليلة في صوفر؟ قال لقد اتفقنا على هذا وليس بوسعنا أن نتأخر عن عملنا غداً في ديوان الوزارة ويخيل لي أن السهرة في الفندق الكبير ستكون مطربة تنسينا أعباء السفر. خرج الصديقان من قاعة العشاء في الفندق الكبير في صوفر متأخرين، وهما أشد ما يكون تأنقاً في ملبسهما وزينتهما وبعد أن تجولا في البهو والحديقة وتحدثا إلى الكثيرين من معارفهما دخلا إلى ساحة الفندق حيث انتشر جمهور من الناس والرجال حول مناضد متفرقة يصغون لنغمات الجوقة الموسيقية الجديدة التي شاء صاحب الفندق أن يتحف بها زواره في تلك الليلة. ولم يكد القادمان يأخذان مجلسهما حول المنضدة التي أسرع الخادم بإعدادها لهما حتى التفت حسن أفندي إلى رفيقه وكأنما فوجئ بما لم يكن يحسبه وقال له: هاهي شهيرة ابنة حميد بك. انظر إليها فهي بالقرب منا وهاهي تنظر إلينا. وتكلف علي بك الرصانة وقال لرفيقه دون أن يلتفت وهل هي وحدها، قال لابل معها سيدتان مسلمتان وأخرى مسيحية ولعلهن جئن من المريجات ليقضين السهرة هنا. والتفت بعد قليل علي بك إلى الجهة التي أومأ صديقه إليها ولم يكد يمر ببصره على السيدات الجالسات هنالك حتى عرف شهيرة وكانت أبرز الجالسات مظهراً وأكثرهن جمالاً ونضارة. ورأته يطيل النظر إليها فانصرفت إلى إحدى رفيقاتها تسألها عنه وقد ذكرت أنها كثيراً مار أته من وراء نقابها في شوارع دمشق وعرفت الكثيرات من قريباته، ولعلها عمت عنه ما زاد اهتمامها به فألقت عليه نظرة فاحصة مترددة، ورأى منها ذلك وهو جريء ما اعتاد أن يحجم في مثل