هذا الموقف فنظر إليها نظرة إعجاب وهو يبتسم، فلم تتمالك هي بدورها من أن تبتسم له وقد أوشك الحياء أن يورد وجنتيها، ورأى حسن أفندي ما كان بينهما فأراد أن يصيبه ما أصاب رفيقه لكن راعه حينما رآها لا تأبه لشأنه فتنصرف بنظرها عنه إلى علي بك ثم تعود إلى حديثها مع رفيقاتها ضاحكة طروبة.
كانت الشمس قد ارتفعت عن مشرقها حينما أخذت السارة التي تعود بالصديقين إلى دمشق تنساب في وادي بردى فتنقل لراكبيها نسمات عطرة تثير ما كمن في النفوس من وجد وذكرى. وأهوى علي بك بيده على عضد رفيقه وهو يقول له: أنها أجمل وأرق بكثير مما كنت أظن. قال حسن أفندي وقد تجاهل ما رمى إليه صديقه: ومن هي هذه التي رأيتها أجمل مما كنت تظن؟ أجاب شهيرة. وهل رأيت بالأمس أجمل وجهاً وأرشق قامة وأسمى قدراً منها بين جميع من كان حولنا من النساء؟ ثم ولا أخفي عنك فقد أعجبتني كثيراً هذه الرصانة البادية على محياها وتلك الدعة في نظراتها الفاتنة التي تدل على ما انطوت عليه نفسها من شرف الخصال وكرم الخلق وحسن التربية. فبلغ حسن أفندي ريقه وتكلف عدم الاكتراث بما يسمع ثم قال: لا أكتمك إنه لم يرق لي كثيراً أن أجدها سافرة في مثل هذه الأماكن وليس معها إلا رفيقات لا أعلم من أين جاءت بهن. معاذ الله أن أكون من المحافظين المتعصبين ولكن يؤلمني جداً أن يتقول الناس عنها أقاويل شتى وهي تنتسب لعائلة شريفة أغار عليها وعلى سمعتها. ثم لا أعلم إلى أين ستفضي بنا وبنسائنا هذه الحرية التي بدأ الآباء يمنحونها بدون وزن ولا حساب لبناتهن المتعلمات علماً ناقصاً. وكأن هذه الكلمات أثارت حماسة علي بك فاندفع يقول وفي لهجته شيء من الحدة: أما أنا فلم أجد في موقف شهيرة بالأمس ما يمس بسمعتها أو بسمعة عائلتها كما تدعي ولقد آن لنا أن نخرج من هذه الظلمة التي نحن فيها فنعدُّ للمستقبل أمهات عارفات بشؤون الحياة لا غريبات عن العيش الذي نعيشه. ثم ماذا يمنع نساءنا أن يسفرن ويحضرن معنا الحفلات ويستفدن من مل ما نستفيده نحن. وإني لأفضل زوجة كشهيرة متعلمة راقية عارفة بحوادث الأيام وتصاريفها على فتاة غبية لم تر في حياتها إلا جدران منزل أبيها ولا تصلح إلا لما اعتدنا أن نراه من خصائصها. ثم إن الأمر لا يتعلق بشخص شهيرة الذي لا يهمني بل إن هنالك مصلحة عامة هي التي أعنيها في حديثي فلا نهضة لنا ترجى ولا خير يؤمل منا إذا