وإن البذرة الواحدة لا تسبب أمراضاً عديدة فهو قد أوجد فكرة الجراثيم ووضع فكرة الاستقلال الجرثومي. وبعد أن لفظ فراكستور مبدأه هذا عن عدوى السل بقيت هذه الفكرة منغرسة في إيطالية فقد تكلم عنها بولس زكياس في مؤلفه المسمىالأسئلة الطبية الشرعية وقد تساءل فيه عما إذا كان يحق للمرأة السليمة أن تهجر زوجها المسلول. وفي آخر القرن السادس عشر جاء مار كوليالي فعدل بعض التعديل فكرة فراكستور وأقر بعدوى السل وانتقال الأمراض حسبما ذكر فراكستور غير أنه خالفه في أمر تلك البذور وقال أنها نوع شبيه فعله بفعل السموم. وفي نظر هذا العالم الإيطالي كثير من السداد فهو لم يقنعه أن بذوراً تدخل وتحدث ما تحدثه الأمراض الفتاكة بل لأن هناك أمراً أعظم من هذا، أن هناك شيئاً من السموم يلقى ويسمم البنية وكأنه يقول أن تلك البذور أو الجراثيم اليوم لا تؤثر بدخولها للبنية فقط بل تفعل أيضاً بمفرزاتها أو زيغاناتها (تو كسينها) فيا له من نظر ثاقب بعيد المرمى. واشتهر في القرن السابع عشر بين الأطباء الذين عنوا عناية خاصة بالسل ريشار مورتون الانكليزي (١٦٩٨) وكان اكليريكيا في بدء حياته ومن أسرة شريفة غير أنه ترك الثوب إلى تعلم الطب فقد نسب سل الرئة إلى عقيدات تلتهب وتتقيح وكان يظن أنها تنجم من دمٍ متخثر وكان يعتقد أيضاً بعدوى السل فقد قال عنهأنه يعدي الأصحاء الذين ينامون والمسلول في فراش واحد كما تعدي الحمى الخبيثةولكنه كان يعتقد بالوراثة خاصة وقد قسم السل ثلاث درجات: الابتدائية والوسطى والانتهائية وهي درجة اليأس. والثانية تناسب تكون العقيدات والثالثة التهاب الرئة وتقيحها.
وقد روي حادثة سل استمرت خمسين سنة: حادثة اللورد هارت وحادثة أبيه مورتون الطبيب الشهير الذي قضى حياته كلها وهو يسعل ومات سنة ١٦٥٨. وقد عني مورتون بالسل خاصة لأنه كان ابن طبيب مسلول وكان يخشى الوراثة وانتقال هذا المرض بها إليه، وقد اهتم اهتماماً جزيلاً بكثرة التغذية والأمور الصحية. فمورتون جاءنا بأمرين جديدين: الدر نيات الرئوية التي لم يذكرها أحد قبله وقد أثبت الطب الحاضر تكونها في الرئة ودرجات السل الثلاث التي لا نزال نذكرها. وفي القرن نفسه قام لازار ريفيار (١٥٨٩ - ١٦٥٥) في فرنسا ووضع مؤلفاً سماه الممارسة الطبية لا يخلو من الفائدة ذكر فيه بضع مئات من المشاهدات بينها العدد الوافر عن عدوى السل ومنها مشاهدة غريبة في