لا تسيؤوا الظن برسام جالس على كرسيه الوطيء في زاوية من زوايا الأزقة المظلمة يرسم على صحيفة النسيج قوساً متهدماً مهشماً أو داراً بالية من دور أحيائنا القديمة. فالرسام الغربي لا يريد تزييفنا ولا يريد أن يشير بهذه الصورة إلى درجة تأخرنا في الحضارة ولكته ينشد البديع الغريب الذي يحسن تصويره، من شأن هذه الحضارة العصرية أن تسوي بين جميع الأشكال من بناء وملبس ومنظر. فهي بهذه الصورة تقودنا إلى وحد النسق التي تزهق أرواحنا باطراد ألوانها وتشابه أشكالها. فأعذروا الرسام الغربي الذي يلجأ إلى هذه المغاني التي يرفرف فوقها ورح البلى ممزوجاً بمعاني الشعر والخيال. ولا تستريبوا من مصور غربي يصور بآلته السائلين، يتجولون في الطرق بثيابهم الممزقة والفلاحين، والفلاحات، بملابسهن التي تظنونها غير مدنية. فهم لا يريدون أن يشهروها ف بلادهم للتنديد بنا والإشارة إلى تأخرنا، ولكن ليثبتوا على الشريط صوراً حيةً يبتهج لرؤيا ها أرباب الذوق الغربي. ولربما كانت مدعاةً لزيارة كثير من ثراة الغرب بلادنا وإنفاقهم أموالاً طائلة على التجول في أنحائها الغنية بالآثار.
وهؤلاء الفنانون يتكبدون عناء عظيماً في بلادهم للعثور على المناظر الغيبة والأماكن التي أعفت رسومها يد البلى وجار عليها الزمان وألبستها الفاقة ثوباً من التواضع والخشوع والهجران. وهل نستطيع أن ننكر فضل هذه الفئة علينا، وأثرها في تطور ذوقنا الفني. منذ عهد قريب بدأ السوريون في أكثر مدن سورية الداخلية والساحلية يبنون أبنيتهم على أحدث الأطرزة الغربية التي تلاءم شرائط بلادنا الطبيعية، أو على الطراز العربي - لاسيما الفاطمي ولمملوكي منه - بعدما أدخلوا عليه شيئاً من التعديل الموافق لشرائط الذوق والترتيب العصريين. ناهيك عن اهتمامنا في الوقت الحاضر بالأثاث والتحف والأدوات الشرقية التي كنا نجهل قيمة ودقة صنعها لولا أن مسح عليها هؤلاء الغربيون بآية من شعاع عبقريتهم ودقة التفكير. أخذت أكثر هذه الصناعات الشرقية وأخص منها الشامية تعود إلى الحياة بأشكال مأنوسة ووجوه باسمة يألفها الذوق العربي ويتعشقها الغربي.