ورفيق خالد بك هو من مشاهير الأدباء الرمزيين له كثير من المؤلفات التي تعد من أمهات الآثار الأدبية مثل (كيربينك ديدكلرى) أي ما قالته القنفذ، و (صاقين آلدانما أينانما قانما) أي إياك أن تنخدع أو تصدق أو تنع، و (برآووج صاجمة) أي قبضة خردق، و (برايجيم صو) أي شربة ماء وكثير غيرها. ترجمت مقالته الآتية (مديح القمح) إلى اللغة العربي، حين ظهورها، في جريدة (وحدت) منذ شهرين على التقريب لما فيها من الحقائق العلمية التي أحصاها لنا الأديب وقرب بين مختلف صورها البهية وألوانها الزاهية بحذاقة ورشاقة نادرتين.
نافذ الغنام
[مديح القمح]
يسترعي الآن نظري حقل القمح الوسيع متوقداً تحت أشعة الظهر توقد الكؤول الذي لا يظهر لهيبه في واضحة النهار. يدأب ههنا الحاصدون مجدين في بحر من النور والنيران كأنهم حشرات حقيرة سقطت في مياه غالية، تضطرب فيها وتختبط دون أن تستطيع منها خلاصاً. إن ناراً باطنية يذهب دخانها إلى جوف الأرض، لا إلى عنان السماء، صقلت الزرع صقلاً جميلاً بعد ما أذوته وحمسته، وقد كان أمس غضاً طرياً. تؤذي العين بين آونة وأخرى، إيذاء الأميال الحامية، لمعات من المناجل تلعب بالزرع وتميله أكداساً على الأرض. أنظر إلى هذه البوارق الخلابة تشع في حقول القمح الصفراء وأنا أفكر:
منذ أحقاب بعيدة لم يضبطها التاريخ عاش الناس خدماً وعبيداً من أجل القمح لا أذكر مادة كالقمح تثير بقلتها أو بكثرتها الثورات. القمح هو ثالث حاجات البشر بعد الماء والهواء. القمح هو الأقنوم الثالث الذي لا تتم بدونه معرفة الحياة. إن للقمح أثراً في أسباب الحرب والصلح والفتن والمعاهدات. القمح في حياة الدول كأصابع النساء، تبدو من تحت جميع المسائل والمشاكل، أعتقد أننا لا نعير البحار والموانئ والمخارج والموارد أهمية إلا من أجل القمح. تختبئ حبة القمح تحت أغلفة أكثر الأمور. بحبات القمح تكتب تواريخ الأمم. لا يوجد بين رجال الدولة من يضاهي القمح بأهميته. لو كان في خزائنه قمح لنجا لويس السادس عشر بنفسه وأنقذ عرشه بدون ريب. إن لانبار القمح من ألأهمية ما للثكنات.
إن الزروع تحمي الخيام كما تحميها الجيوش. تحتاج الجيوش إلى أكياس القمح قدر