للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأمطار المدرارة، فلاحة الأرض بين صياح ونداء. تنقل الغربان شتاءً في حقول القمح المغطاة بالثلوج. وأخيراً خضرة الزروع تتموج برياها في الربيع. ثم نضوج الزرع واصفراره تحت أشعة الشمس المحرقة، فالبيادر فالدراس، كل هذه المناظر تعيش في مخيلتنا الواحدة تلو الأخرى. الأفران التي يلعب لهيبها الأحمر في بقعة هادئة. الخبازون بسوقهم وسواعدهم العارية. الأرغفة المصفوفة سخنة طرية إلى الفروش. أما أشد ارتباط هذه الصور بحياة الإنسان وما أكثر تكررها على ناظريه في كل يوم إن طواحين المياه لكثيرة الضوضاء وهي ظليلة وطيئة. وطواحين الهواء لكثيرة الصرير مستنيرة عالية. وإما الطواحين البخارية فكأنها قلوب الأرض التي هاج بها هائج، تحقق في صميمها وهي تدور مولولة صارخة. إن الناس يتأملون المناظر التي لها مساس بالقمح تأملا لا يفوقه تأمل. وتراهم يشغلون ويلهجون بأدوار حياة القمحة في كل عام. حتى الصعلوك الذي لا يملك زراع أرض أو صاع قمح يسألك باهتمام، كيف الزرع؟ فالقمح هو قريبنا جميعاً، وقريب كل مقطوع، ومشغلة تشغل حتى أغبى الأغبياء.

خلاصة القول: لا يجود في الأرض مسألة كمسألة القمح نشبت بشغاف القلوب وكما أن أصل الحضارة في حقل القمح فإن مخلب الحرب الدامية في مخزن القمح. الذين يتخيلون الأرض فوق قرن الثور مصيبون على شرط أن يكون ذلك زوج فدان.

رفيق خالد

<<  <  ج: ص:  >  >>