يداني التراب فيما لو تحققت تلك الفكرة السخيفة. ثم أين هي قيمة هذا المعدن؟ أيؤكل؟ أيلبس أو يفترش؟ أم إن رباً شريراً أوجده ليحمس البشر في تمثيل مهازلهم؟ أليس من الجنون الكامل أن يأكل الإنسان الإنسان عبر ستين قرناً من أجل الغبار؟ وهل تجد البشر يبحثون كل تاريخه القاتم إلا أبلغ في الجنون به من كل وقت قبل: فلا يزال الناس يبحثون عن الحجر المفقود، لا يزال وسواسهم يصور لهم اللمعة كأنوار الفراديس، فيواروا في اللحد وظمأهم إلى سمهم أقتل لهم مما كان. ثم ما اكسير الحياة؟ ولم يطلبون هذا الأكسير بينما هم يعشقون الموت ويحكمونه في رقاب أنفسهم ورقاب أبنائهم؟ أما اكتشافي فلا شبه بينه وبين هذهالخنفشاريات. ليس له نظير. على أني قد عولت على أن لا أنشره بين الناس، لأنه إذ رفضوا النظر فيه لما قدمته لهم عفواً وغيرة، أصبح الأمر يتعلق بكرامتي، فمن أحسن إلى آخر ورفس إحسانه حق له أن يغضب، وحق له أن يمتنع عن بذل نعمته إذا طلبت فيما بعد. لكنني إذا مارأيت العالم سيبقى ممعناً في طيشه، وإذا كان الناس سيظلون يبسمون لبلهاء الساسة، يمدحون أصحاب المال، يصفقون ويقهقهون كالسعادين كلما سمعوا رعود المدفع وطقطقةالرشاش، وإذا كانت الأرض ستبقى حاملة مشعوذين يلبسون السواد والمزركش ويحتكرون التوسط بين الناس والأصنام - بالمختصر المفيد إذا ظل قول شكسبيرأي حمقاء هؤلاء الناس يكونونهو الحقيقة الباقية التي تهددني وبيتي بالدمار، أطفالي بالموت الأحمر وصوابي بالذهاب - إذا دام الحال على المنوال أن يسعني السكوت أكثر مما سكت، بل إنني أبادر إلى نشر اكتشافي لحل المعضلة الإنسانية الملعونة. أما الآن فأكثر ما أصرح بشأنه أنه سهل التطبيق جداً، وقد اقتبسه من أستاذي الكبير الدكتورأومنوبيلولعلك تجهل هذا الدكتور على شهرته في بعض الأوساط المختصة، كبلاط ذلك الأثيني العبقري المعروف بالأميرتيمون.
لو راجعت التاريخ الكبير الذي ألفه أحد شذاذ الإفرنج وجمع فيه أخبار جزيرة يقطنها أناس من الطيور البحرية لوجدت أن الدكتور أو رومنوبيل رجل قبع في غرفته ستين عاماً يدرس الكتب. وبعد ذلك نظر إلى حاله فرأى أنه لم يزل ركيك العلم. فقرر، لإصلاح هذا النقص، أن يقوم بجولة يجوب بها نواحي الكرة الأرضية. ولما قضى في ذلك عشرين عاماً أخرى ارتد إلى صومعته ليقطف ثمرة علمه. جلس إلى منضدته وأمامه الكتب والدفاتر،