لقد كان عمر بن أبي ربيعة يحبب الشعر إلى قلوب الناس بما ذكر فيه من صورهن وطبائعهن وأحاديثهن وأذواقهن فكان شعره في العصر الأول الهجري ألحان أهل الحجاز ومزاميرهم ومرآة تتجلى فيها حالة المرأة.
قيل مرت ظبية، مولاة فاطمة بنت عمران بن مصعب على عبد الله بن مصعب ومعها دفتر تتأبطه فنادها ما هذا معك يا ظبية؟! فقالت شعر بن أبي ربيعة يا سيدي فأجاب: ويحك تدخلين على النساء بشعر ابن أبي ربيعة، أن لشعره لموقعاً في القلوب ومدخلاً إلى النفوس ولو كان شعر يسحر لسكان هو.
والأدب في حقيقته وطبيعته لا ينال عنوةً وتكلفاً وكرهاً قال الأستاذ لانسون الأدب لا يعلمه المرء علماً ولا يدرسه دراسة وإنما يمارسه ويحرثه ويحبه فإذا حبب الأدب إلى الفتاة استخلصته لنفسها وتيقظ فيها الشعور بمحاسن الآثار ومقابحها فتتخذه مثقفاً لطبعها ومهذباً لذوقها وهي إذا تعلمت في مستهل دراستها روائع من منثورة وبدائع من منظومة فيها سهولة وجمال وفيها عاطفة ووصف انبسط أمامها أفق الأدب الفسيح واستفاضت في خواطرها لذته ومتعته ونمسرته فتنهل من موارده السائغة ولا ترتوي.
ولا بد لأدبنا العربي من علماء يخلصون المحبة له ويعنون بيت الثقافة الأدبية واستهواه النفوس إليها وحينئذ تهواه المرأة وتراه وحده ثقاف عقلها وصقال روحها وفي سموها ورفعتهما جمالها وجلالها.
وأي فضل أعظم من فضل العلم والأدب على الناس فقد قال ابن عبد ربه: العلم والأدب قطبان عليهما مدار الدين والدنيا وفرق ما بين الإنسان والحيوان وما بين الطبيعة الملكية والطبيعة البهمية وهما مادة العقل وسراج البدن ونور القلب وعماد الروح.
وسأل منصور بن المهدي الخليفة المأمون: أيحسن بنا طلب الأدب؟ قال: والله لأن أموت طالباً للعم والأدب خير لي بأن أعيش قانعاً بالجهل، قال فإلى متى يحسن؟ قال: ما حسنت بك الحياة.
ويكفيني المؤونة في ذكر فضل الأدب ما قال ابن الرومي الذي مات وبقلبه حسرة أليمة على ضياع آدابه في عصره:
إن امرءاً رفض المكاسب واغتدى ... يتعلم الآداب حتى احكما