كان الأدب في عصر المأمون الذهبي وفي العصور التي تلته يرن صوته في مختلف الأرجاء، يغر أنه لما ضعفت الأمة العربية وتضعضع كيانها السياسي كسد سوق العلم والثقافة وقل أنصار أهل الأدب والمعرفة وتضاءل شأن العلماء، وقد وجد بنيهم.
من يستجدي في شعره كابن التعاويذي وابن الخياط الدمشقي وأبي اسحق الغزي القائل:
قالوا تركت الشعر قلت ضرورة ... باب الدواعي والبواعث مغلق
لم يبق في الدنيا كريم يرتجى ... منه النوال ولا مليح يعشق
ومن العجائب أنه لا يشترى ... ويخان فيه مع الكساد ويسرق
وهكذا ظل يتفاقم الاضطراب السياسي والأخلاقي حتى أجناح المرأة فتركها خائرة النفس حائرة الروح سقيمة القلب، تبدو في أعمالها رخاوة تشف عن فساد أخلاقها وقد لمس ذلك كله أبو العلاء المعري فإذا بهذا الشاعر البصير الضير يصوره لنا أشنع تصوير وصيحوا بالناس أن جنبوا المرأة تعلم القراءة والكتابة واحجروا عليها في البيت وأشغلوا فراغ وقتها بالنسج والغزل فذلك خير لها من حمل القلم وأبقى.
وزبدة القول أن أعراض المرأة في أيامنا هذه عن الأدب يجب أن يعود إلى حال عصرنا فنحن في أوائل نهضة علمية وأدبية قد ذر قرنها قليلاً فإذا مشت بنا الأيام وعم التعليم بين الجنسين رأينا الأدبيات كثيرات، وقد أقبلن على الأدب وتدافعن على فنون وألوانه بلذة وشغف كأسراب الطيور العطاش حين ترد الماء أو تلتقط الحب المذرور.
إن الزمن هو صاحب هذه الرهائن. وهو جنان يتعهد مغارس القطن حتى تثمر في منابتها بيد أني أتلمس علاجاً ربما كان ناجعاً وهو ممن يحبب الأدباء الأدب إلى النساء، أن يقربوه إلى مداركهن ويغروهن بالمطالعة الجدية وأن يكتب كثير من الأدباء صور النساء فيه حتى يرين هذه الصور فيدخل الأدب بها على قلوبهن لأن أجمل ما عند المرأة وألذ أن ترى نفسها بمرآة الرجل.