عليهن وينصح بحرمانهن من التعلم والتفقه فالجاحظ صاحب هذه الرواية يحشو كتبه ومؤلفاته أخباراً عن النساء المتأدبات ويحدثنا بها عن البارعات منهن في فنون الشعر والحكمة والغناء، ولا يستنكف من القول في أواخر وسائله: وسلنا نقول ولا يقول أحد ممن يعقل أن النساء فوق الرجال أو دونهم بطبقة أو طبقتين أو بأكثر. .
إذن فهذه الشهادة يدلي بها شيخ أدباء العرب جديرة بالتقدير والاعتبار والحق أنه ليس من الأنصاف أن تهم المرأة في قلة المقدرة والعجز عن الوقوف والرجل على قدم المساواة في إتقان فنون الأدب ومعرفة مداخله ومخارجه والتغلغل في مدابه ومخوافيه.
لمعت في ذهني هذه الآراء وأنا أفكر بجهل النساء عندنا أدب لغتهن المجيدة وتخلف المتعلمات منهن في مضمار الإنتاج الأدبي وصدوف الفتيات عن الثقافة العربية وعقوقهن لها، وفي الوقت نفسه تذكرت أن علماء الاجتماع يعزون بلوغ الفردسنام العلم والفضل إلى طبيعة الزمن الذي يعش فيه والبيئة التي يطوي فيها بساط عمره حتى تتفتق أكمام مواهبه فيكون ذلك الأديب النابه أو الشاعر البارع.
فالناس في عصر المأمون الذهبي كانوا يتنفسون الأدب الرفيع في كل شيء تقع حواسهم عليه وكانت نهضة النقل والترجمة تضطرهم إلى العناية بأدبهم فكان ذلك موجباً إلى ارتفاع مجد الأدب العربي وتألق نجمه في العصور التي تقدمت فترة الانحطاط.
ولقد حدثنا أصحاب الأخبار في ثنايا كثير من المصنفات القديمة. إن إقبال الناس على اقتناء الجواري المثقفات كان أشد منه على الجميلات منهن، وكان ثمن الجارية يقدر بنسبة حظها من العلم والمعرفة وليس على قدر نصيبها من الحسن والجمال.
وأبو الفرج صاحب الأغاني ذكر كثيراً من أخبار عنان مع أبي نواس وغيره، وقد كانت عنان هذه جارية الناطفي صديقة للشعراء وكانت من أجمل الناس وجهاً وأحسنهن أدباً وأوسعهن معرفة بفنون الشعر وألوان الكلام.
قيل أن أحدهم دخل عليها وكان عندها رجل إعرابي فقال له: يا عم لقد أتي الله بك فقال: وما ذاك؟ قالت دخل علي هذا الإعرابي قائلاً: بلغني أنك تقولين الشعر فأنشديني شيئاً فقال لها: انشديه فقال: قد أرتج علي فقل أنت أولاً فانشد: