فكان ذلك بالإضافة إلى طبيعته المتشائمة حافزاً لقوله بحرمان المرأة من طلب العلم والاختلاف إلى مجالس الأدب ومنعها عن الظهور في الشوارع والتشدد في الحجاب.
تهتك الستر بالجلوس أما ال - ستر إن غنت القيان وراءه
والمعري حين يقول هذا ينظر إلى الصورة التي رسمها للمرأة في ذهنه وأنت تراها صورة مشوهة وضيعة تستحق منه تلك النقمة التي كان يصبها عليها، ولعي لا أظلم هذا الشاعر الفيلسوف إذا قلت أن رأيه السيئ في المرأة هو إحدى هفواته الكبرى، ويكفي للدلالة على فساد نظره وسوء ظنه أن نتذكر جهود الرجل في عصرنا هذا للنهوض بالمرأة إلى المستوى الذي يليق بكرامته وكرامتها على السواء، فهو الذي يمهد لها سبل التعلم والتثقف ويعاونها على تشييد صرح نهضتها الحديثة لتؤدي واجبات الأمومة ومطالب الأسرة وحاجات جنسها على الوجه الأكمل وهل يتسنى لها ذلك كله إذا لم تكن مهذبة مثقفة، وهل الثقافة شيء يعدو دائرة هذه الأشياء؟
وبعد فمالنا ولأبي العلاء الناقم على الحياة والناس أجمعين فمهما تعمقنا في درسه لم نجد عنده مثقال ذرة من العطف على المرأة فلنتركه للمتشائمين فهم أولى به منها ولنعطف على غيره من أدباء العرب الأفذاذ فربما وجدنا حاجتنا عندهم.
ذكر الجاحظ في كتابه المحاسن والأضداد في أواخر كلامه على فضلا الكتاب والكتابة ما يلي:
قال الزهري الأدب ذرك لا يحبه إلا الذكور من الرجال ولا يبغضه إلا مؤنثهم فهل نفهم أن كان يرمي بذلك إلى الأدب من صناعات الرجال وإن إتقان فنونه وتجويد أساليبه من مزاياهم ومقاصدهم وإنه إذا أعرض رجل عنه فلأن طبائعه محشورة في طبائع النساء وسجاياهن؟
ما أظن أنه قد قصد ذلك وأن يكن هو ما نفهمه من معناه البارز
لقد رمى الزهري بالتخنث من مال عن الأدب من الرجال تعييباً وتقريعاً، ولكن الأدب لم يكن قط من حظ الذكور على حقيقته وليس هو مما يقتصر على الرجال كما يقول الزهري إذا أخذنا قوله بمعناه الظاهر، وما ألفينا أحداً من أعلام الأدب المتقدمين والمتأخرين يعيب في كتبه ومصنفاته على النساء نزوعهن إلى الأدب أو ينسج على منوال المعري فيحظره