غناء ذات أشجار مثقلة بأزاهير وعناقيد أرجوانية. وعلى الشاطئ قامت منازل تحيط بها جنائن صغيرة تذكر الناظر بما في منازل أرياف المدن الإنكليزية من رفاه وراحة. على أنه ليس هنالك كما في كل مكان من هذه المدينة إلا السآمة والضجر.
٢٧ حزيران: أثينة
ها هي اثينة أمامنا بعد أن عبرنا البحر مارين بجزائر سيكلادس. مدينة بديعة بنيت على قياس وانتصبت أنيقة لبقة. حتى أن سمائها ليس فيها تلك الزرقة الغامقة الشديدة التي تصطبغ بها سماوات الشرق، فلونها أزرق باهت موشحة بخطوط رمادية من السحاب تمازجها حمرة خفيفة كأنها الشفق وهي يعيد للخاطر ذكرى سماء باريس.
هنا أوروبا تتمثل الآن في هذه المدينة حيث يختلط القديم البعيد مع الخاطر الجديد. ففي رأس شارع ايلوس حيث تقوم فروع المخازن الباريزية الكبيرة وتزدحم جماهير الناس من باعة ومشترين بينهم جم غفير من النساء المتألقات الجميلات يظهر معبد البارتينون على هضبته الخشنة الجافة كذكرى مفاجئة لتلك العظمة القديمة. هنالك أيضاً مقاهي كمقاهي دمشق اجتمع فيها أناس يدخنون النارجيلة ويلعبون (الطاولة) النرد فيصمون الآذان بضوضائها. على أن هنالك أيضاً في باريز مكتبات عظيمة فخمة يمكن أن يحصل منها الراغب على آخر وأحدث ما صدر من المؤلفات في جميع اللغات الأوروبية.
إن الإقبال على المطالعة في بلاد اليونان عظيم ولقد نشرت مجلة البلقان الشهرية التي تصدر في اللغة الفرنسية مقالاً قيماً أثبتت وأحصت فيه عدد الصحف والمجلات التي تطبع في بلاد اليونان فبلغت في سنة ٩٢٧ - ٤٤٢ منها ١٩٧ في مقاطعتي آتيك وبيئوثي فقط وأن أهم ما يلفت نظر الغريب في هذه البلاد هو ما انتشر بين سكانها من أثر الثقافة والآراء الفرنسية ويدل على ذلك انتشار اللغة الفرنسية بين المثقفين وعبارات المديح والثناء التي رددها من حدثوني عن مدارس البعثة العلمانية الفرنسية وما تلقاه هذه المدارس من الإقبال العظيم، ومما يؤيد هذا التأثير أيضاً ما يطبع في بلاد اليونان من الصحف الفرنسية كجريدة البيتي اتينيان مثلاً. ولقد لقيت حفاوة فائقة من جميع الذين تحدثت إليهم من اليونانيين سواء على سواء على ظهر الباخرة أو في بلاد اليونان ولشد ما أعجبني منهم سرعة الفهم وشدة الذكاء ولينة الفكر وسحر وجوههم الطلقة الباشة.