الجواب على ذلك أن الشر ليس الغالب في الوجود لأن الخير، كما يقول ابن سينا مقتضى بالذات أما الشر فمقتضى بالعرض ومعنى ذلك أن الإله لا يريد إلا الخير، وهو ينفح الوجود بنسماته ولم يتولد الشر إلا من المادة ولذلك كان الشر غير موجود في الأفق الأعلى بل هو موجود دون فلك القمر أي في عالم الكون والفساد.
ولكن لماذا وجد الشر؟ ألم يكن في وسع المبدع الأول أن يوجد خيراً مطلقاً مبرأّ عن الشر (نجاة ص ٤٧١٠) ألم يكن في وسع المدبر الحكيم أن يبدع اللذة ولكن في غير هذا النمط من الوجود. إلا أن هذا العالم يقتضي وجود الخير مع الشر، وهو عالم القوة والفعل وحيث توجد القوة لا بد من وجود الإمكان والنقص أي لا بد من وجود الشر. إلا أن هذا الشر هو أقل ذيوعاً من الخير. ولو كان طبيعة الوجود، والشر من طبيعة العدم. فالخير الكلي يقتضي وجود الشر الجزئي ولا معنى للخير بدون الشر كما أنه لا معنى للنور يدون الظلمة.
ولكن لماذا خلق العالم على هذا النمط؟ أليس من الممكن أن يكون الوجود كله خيراً مطلقاً. لا محل لهذا السؤال في فلسفة ابن سينا لأنه جعل الإنسان في فهم حقيقة الخير والشر قاصراً عن إدراك حكمة الخالق. قال (لو كان أمر الله تعالى كأمرك وصوابه كصوابك وجميله كجميلك وقبيحه كقبيحك، لما خلق أبا الأشبال أعصل الأنساب أحجن البرائن لا يغذوه العشب. فالإله لا يراعي ما نراعي نحن في حكامنا الضيقة وأحلامنا القاصرة بل ينظر إلى الوجود الكلي ونحن لا ننظر إلا الوجود الجزئي.
٢ - السعادة ليست في اللذة
الإنسان قادر بعقله أن يميز بين الفضيلة والرذيلة فيميل إلى الخير ويتجنب الشر ولكن ما هو الشيء الذي نبحث عنها جميعاً ونرغب فيه؟ الأحياء كلها ترغب في اللذة. ولكن هل يمكن أن يقال أن السعادة في اللذة؟
إن رأى ابن سينا في اللذة لا يختلف بالجملة عن رأي أرسطو القائل أن اللذة في الفعل. لكل فعل قوة تحدثه ولكل قوة من القوى النفسانية لذة تخصها. مثال ذلك أن لذة الغضب الظفر، ولذة الوهم الرجاء، ولذة الحفظ تذكر الأمور الماضية فالشعور بكل ما يلائم هذه القوى يولد لذة، وهذه اللذة هي إدراك الكمال. وكلما كان الكمال الذي تحصل عليه النفس