بوانكارة وزميل (بول آبل) وله بدا لامبر ولا غرانج صلة فكرية لأنهم جميعاً من مذهب واحد هو مذهب ديكارت ومذهب إقليدس. وهذا المذهب يقتضى أن يكون المكان متجانساً لا نهاية له. ولذلك كانت الهندسة التحليلية التي اخترعها (ديكارت) لا تخالف مبادئ إقليدس بل تتمها وحساب التفاضل لا يخالف مبادئ الجبر الأولى بل يوسعها. وقد ظن بنليفه أن معادلات التفاضل التي اخترعها تنطبق على الكون. فلما علم بنظريات (آينشتين) في النسبية ومخالفتها لمبادئ نيوتن وإقليدس وقف في وجهها وقفة المدافع الجسور الذي يود أن يحافظ على الكون الإقليدسي. ولم يخضع لنظرية النسبية إلا يوم جاء آينشتين إلى باريز وألقى محاضرته في (الكوليج دو فرانس) وجاء بنليفه إذ ذاك واستقبله لا باسم العلم فقط بل بصفة السياسة أيضا وكان شارع المدارس المؤدي إلى الجامعة غاصاً بمجي الاطلاع الذين لم يجدوا لأنفسهم محلا داخل المدرج وقد شاهد الحاضرون كيف احتدم الجدال بين (آينشتين) وبنليفه وكيف أن هذا الأخير كاد ينقض نظرية النسبية لولا أن الموسيو (هادمارد) قال له: (ألا ترى يا صديقي انك تخلط بين زائد ر وناقص ر) فارتعش الحاضرون لاعتراض الموسيو (هادمارد) وصفر احد الجالسين في شرفات المدرج ولم يدر هذا الذي صفر انه هدم بتصفيره عالم ديكارت وزمان نيوتن وانه لم يبق اليوم بعد بنليفه من يستطيع أن يدافع عن مفاهيم الطبيعة القديمة وصور الزمان المجرد والمكان المطلق. الم يقل هنري بوانكارة قبل آينشتينأننا لا نستطيع أن نصور العالم بمعادلات التفاضل ولكن بنليفه لم يأبه لكلام هنري بوانكاره بل حاول الكشف عن حقيقة الوجود بمعادلات التفاضل فقال فيه هنري بوانكاره (لما رأيت بنليفه سائراً في هذه الطريق وددت أن أقول له قف هنا ولا تتابع سيرك لان مطلبك صعب المرتقى ولأنك ستصادف في طريقك جداراً لا تقوى على هدمه وفي الحق أن بنليفه قد وصل إلى هذا الجدار ولكنه استطاع أن يهدمه ويتابع سيره فأوصل الرياضيات القديمة إلى غاية ما يمكن أن تصل إليه قبل ظهور نظرية النسبية بعشر سنين يوم نشر كتابه في تحليل معادلات التفاضل (١٨٩٥) ولكنه بعد الاجتماع بآينشتين اعترف بمبادئه الجديدة وطويت بذلك صفحة من صفحات التاريخ.
٢ - بنليفه السياسي
ولعل لانصراف بنليفه إلى السياسة علاقة بعجزه عن إقامة الجدار الذي هدمته نظرية