للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لم أجعل موضوع مقالتي هذه البحث في الثقافة وعلاقتها بعبقرية الجنس إلا لآتي بمثال بين أثبت به صحة هذه الملاحظات الأولية التي قدمتها كتوطئة.

وسيتضح للقارئ أثناء البحث أن الاستناد إلى علم باطل أو بالأصح إلى علم لم يتوصل بعد إلى الطور الوضعي قد يدفع الناس في بعض الأحيان إلى بعض الغرباء كما هي الحال الآن في بعض ممالك العالم المتمدن، وخصوصاً عندما تكحون أحكام هذا العلم مشوهة بالعواطف الواهية المنبعثة عن مسألة العصبية وهي مسألة لا يزال العلماء يتنافسون فيها من كل حدب وصوب منذ أوائل هذا العصر.

لست استطيع أن أمنع نفسي من ذكر لمحة تاريخية عن هذه الفكرة العظيمة، ولكنني سأجعل هذه اللمحة التاريخية مختصرة جداً.

نحن نعلم أن القدماء كانوا يعدون الحرب أمراً مشروعاً وكانوا يعتبرون الرق حقاً من حقوق الغالب لأنه نتيجة من نتائج الحرب حتى أن الفيلسوف العظيم أرسطو جعله وضعاً من أوضاع الحياة الاجتماعية. ونعلم أيضاً أن الأمم الغالبة كانت تعد نفسها أعلى طينة من الأمم المغلوبة، وإن امتيازات الخاصة كانت مؤسسة على حق الفتح. ومما لاشك فيه أيضاً أن بغض الأجانب واحتقارهم أمر يرجع أصله إلى مبادئ التاريخ.

إن بعض الكتابات الهيروغليفية تثبت لنا ببداهة أن فراعنة مصر القدماء كانوا يسمون الحثي والعربي بالأسيوي الدنيء، وما ذلك إلا لأن الأسيوي كان يزعجهم ويؤلمهم في دارهم. ومن الغريب أن هذه الأمور لم تتغير كثيراً منذ ذلك الوقت. وبالرغم من التقدم العظيم الذي حققته البشرية في حظيرة المدنية والثقافة فإنك لا تزال ترى اليوم أن صفة الأسيوي لا تزال مدعاة للاحتقار والازدراء.

إن فلسفة التاريخ تثبت لنا أن الحرب كانت منذ القدم الشرط الأساسي لحياة البشر الأولية حيث كانت جموع أجدادنا الأولين تهيم على غير هدى تحت تأثير الجوع الدائم.

وربما كان الصواب في قولنا مع سبنسر أن حالة الحرب هذه كانت القدم العامل الأساسي في تنظيم الجماعات وتأسيس الحكم. ولا أشك في أن الحرب قد أثرت ولا تزال تؤثر في تطور البشرية وأنها تصهر الشعوب المختلفة لتولد منها أنواعاً جديدة تصلح لمعترك الحياة ومؤالفة البيئة.

<<  <  ج: ص:  >  >>