عواطفهم وميولهم الإنسانية بالمبادئ الخيالية انتقدوا هذا الكتاب وعدوه مخالفاً للأخلاق فغنه استرعى انتباه الجميع وأثر في تاريخ الفكر الحديث تأثيراً عظيماً.
ولقد أصاب مالتوس في استنباط ملاحظاته من علاقة السكان بالغذاء الضروري للحياة. ولا غرو إذا هو رغب في تثبيت هذه العلاقة بدستور علمي يدل عليها. أنه حاول قبل شيء أن يبرهن على أن عدد السكان يزداد بنسبة هندسية وفقاً للسلسلة:(٢ ٢: ٤)، (٤ ٤: ١٦)، (١٦ ١٦: ٢٥٦)، وإن الغذاء لا يزيد إلا بنسبة عددية تبعاً للسلسلة (١ + ١: ٢)، (٢ + ٢: ٤)، (٤ + ٤: ٨) الخ. .
ولكن غضب المنتقدين من كتاب (مالتوس) لم ينشأ عن هذه الاعتبارات النظرية بل تولد من النتائج المنطقية التي استخرجها هو نفسه من هذه الاعتبارات.
ولا شك أن عدد السكان إذا ازداد بهذه النسبة المخيفة فلا يبقى - بعد قليل من الزمان - غذاء يكفي الجميع ولا أرض تصلح لهم. لأن القسم الذي يمكن أن يسكن من الأرض لا يزيد عن الربع، ولأن العمران لا يمكن أن يمتد إلى المناطق الشمالية والجنوبية، أو يصل إلى الصحارى العظيمة في أفريقيا وغيرها من القارات الأخرى. فماذا يحصل إذ ذاك؟ أن النتيجة الطبيعية لازدياد السكان هي التطاحن فلا يزال الناس يفترس بعضهم بعضاً حتى يهبط عدد السكان بعد هذه المذابح إلى مستوى الشروط الطبيعية التي يمكنها أن تؤمن حياة جماعة بشرية في نطاق معين من الأرض. ولا شك في أن الشعوب القوية هي التي تفني الشعوب الضعيفة في هذه الحرب التي لا هوادة فيها ولا رحمة، لا بل في هذه الحرب الحيوانية التي يضرمها الجوع وتحركها الغريزة. وهكذا فالحرب حق من الحقوق المشروعة لأنها وظيفة من وظائف الحياة الطبيعية. وهي كما يقولون نافعة للبشرية لأنها وسيلة من وسائل الاصطفاء الطبيعي الذي يؤدي إلى زوال الشعوب الضعيفة ويفسح المجال للشعوب القوية الصالحة للبقاء. إن في الشفقة ضعفاً وانحرافاً عن مجرى العواطف الطبيعي لأن الطبيعة تجهل الشفقة ولا تعرف للحنان معنى.
هذه خلاصة من الأفكار الجديرة بالإعجاب التي استنتجها مالتوس في كتابه مبدأ السكان واتبعها أصحاب المذهب الحربي وهي التي جعلت كثيرين من المفكرين يقولون عن آرائه أنها مخالفة للأخلاق. وسوف ترى بعد قليل أن هذه الأفكار لم تتهدم بالانتقادات القاسية التي