فيجيبه دهقان الضفادع الحلبية بأن المساجلة لا تغنيه فتيلاً ولا نقوم على زعمه دليلاً. فأنهار دمشق ما برحت مضرب الأمثال في غزارة مائها لدى أبناء آدم فهي لا تصلح لأبي هبيرة وأولاده وأنه إذا استرسل في العناد أحاله على ذلك الآدمي الرومي المعروف باسم الياقوت الحموي الذي رأى أن بردى أنزه نهر في الدنيا أو على آخر من نوعه يطلقون عليه اسم البحتري فقد وصف دمشق بقوله:
فلست تبصر إلا واكفاً خضلاً ... أو يائعاً خضراً أو طائراً غردا
وهذه الصفات لا سبيل معها إلى المساجلة. دع أشعار رجل مصري قريب العهد بنا يسميه أبناء آدم شوقي ويقولون: أنه شاعر فحل ما أنجبت الكنانة مثله منذ قرون. فهذا الإنسان جعل الغوطة لأبناء جنسه جنة الله في أرضه. أفبعد هذا يستطيع جلغوم بردى أن يوطد ملكه على أسس موطدة أم ترى إن هذا الملك الرجراج سيطوح به أول شؤبوب بنهل من السماء ودقا وينبجس من الأرض غدقاً!.
ويقف فلاح الغوطة الحزين ساهما يستمع إلى هذه الأهكومة وقد أسقط في يده ويسرح الطرف في مسوق الشجر العظام من زيتون ومشمش وجوز وتفاح وخوخ وغيرهما فإذا بها لهبى لوحها العطش، إن أرسلت جذورها متغلغلة في التراب لم تلق فيه إلا ذراتٍ جافة لازبة مستحصفة، وإن فتحت مسام أوراقها للندى لم تستقبل في الهواء سرى الريح السموم ويبتسم الفلاح بسمة صفراء وينادي صاحب البيت الآتي:
يا نسيماً هب مسكاً عبقاً ... هذه أنفاس ريا جلقاً
يناديه ليتحسس معه أنفاس هذه السنة الجدباء ويتنشق بدلاً من رياً الغوطة لوافح الصحراء. ثم يجول المسكين في الأرض فلا فواكه يجنيها ولا يقول بقطفها ولا زروع يحصدها ولا كلأ يعلفه مواشيه الجائعة.
لقد تبدلت الأرض وتبددت الأحلام فالسعيد من أصاب رغيفاً من الذرة قوتاً لعياله ومن أدرك حملاً من التبن علفاً لماشيته ومن سلمت له أرضه فلم تكن من نصيب الصيارفة والمرابين.
وقد كان هذا الفلاح نفسه بالأمس يربى الخيل العراب ويركبها ويؤم أسواق دمشق يبتاع العقود والأقراط لامرأته وبناته، والبسط والسجاد لدار ضيافته، وغالي الكوفيات والعباءات