إن لمدينة بلغراد منظراً يبعث في النفس الكآبة، ولعل فيها من النظام والترتيب أكثر مما يجب وفيها يستنشق الزائر هواء الديكتاتورية ولا حكم المطلق ويشعر أنه محاط بجو ينم عن القلق والحذر وعن الإقبال على العمل بدون فرح أو غبطة. وأني عليم بحقيقة هذا الجو الضيق بعد أن شعرت بوطأته في استانبول مدينة مصطفى كامل وفي ميلان مدينة موسوليني.
إن النفوذ الفرنسي عظيم جداً في الأوساط اليوغسلافية الرسمية لأن حكومة الملك الكساندر بحاجة للمال، ولكن هذا النفوذ لا أثر له بين أفراد الشعب ومع أني وجدت في مدينة يونانية صغيرة يبلغ عدد سكانها العشرة آلاف مثل مدينة فولو دارا للسينما يعرض فيها شريط سينمائي ناطق باللغة الفرنسية فأني لم استطع أن أجد في بلغراد في دور السينما الأربع عشرة غير شرائط سينمائية ناطقة باللغة الألمانية رغم أن هذه الشرائط هي من الدرجة الوسطى في الجودة.
لقد علمت من الصحف الحوادث اليومية التي تقع على الحدود النمساوية الألمانية وأخبار مقاطعة السياحة إلى ألمانيا التي قررها الرئيس دولفوس انتقاماً من الهتلريين لقاء ما يقومون به من الجور والشطط. ولقد أكدوا لي أنه يستحيل علي أن أحصل في فينا على تذكرة سفر في القطار إلى مونيخ ولذلك فقد عزمت أن أسافر إلى فرنسا وسأقضي اليوم الرابع عشر من شهر تموز في باريس ثم أسافر منها إلى ألمانيا.
٤ تموز - تريسته
قطعنا في سفرنا من بلغراد إلى مدينة زغرب سهل يوغسلافيا الخصب الأخضر ولقد كان ما يحصد من الزرع جيداً رغم جور العواصف عليه. أن الأعمال الزراعية في هذه البلاد ما برحت على ما كانت عليه منذ القديم ولا يرى المسافر إلا قليلاً من الآلات الزراعية ورغم بعض مظاهر لا شأن لها فبلاد اليوغسلافيا ما زالت من البلاد المتأخرة.
ها هي إيطاليا بألبسة الدرك العسكرية التي تدعو للهزء وها هي صور موسوليني في كل ناحية وفي كل مكان حتى على عربات بائعي شراب الليمون في محطات القطار ولا تغرب مدينة اوسينا عن النظر حتى يسير القطار وشاطئ بحر الأدرباتيك محاذياً للطريق الممتدة على ساحل خليج تريسته الأزرق البهيج وتريسته مدينة عظيمة فخمة يكفي لزائرها أن يمر