في شوارعها ليعرف ما بلغته الأزمة منها في هذا الزمن وهنا أيضاً كانت المعاهدات التي عقدت في سنة ١٩١٩ سبباً لأحداث ما لا ينطبق على المنطق الصحيح فلقد سلخت هذه المعاهدات عن أوربا الوسطى مرفأها الطبيعي كما سلخت عن تريسته البلاد المتصلة بها فلا ربحت الأولى ولا انتفعت الثانية من جراء ذلك.
٥ - تموز - البندقية
رغم ما توحيه هذه المدينة في نفس زائرها من ذكريات الشعر والرواية في كل خطوة يخطوها فهو يشعر بخيبة ما أمله خياله قبل أن يراها. نعم ومن الصحيح أن لطيور ساحة سان مارك وهي تطير فتؤلف أسراباً بيضاء تحت سماء رمادية منظراً جميلاً رائعاً ولكني ما استطعت أن أترك مجالاً لحماس الإعجاب في نفسي بمشهد هذه المدينة الشعرية الشهيرة التي بنيت في البحر ولا بمشهد ما يسبح في شوارعها من تلك الزوارق الأنيقة. إن كل ذلك تافه يختلف كثيراً عما ترسمه المخيلة عندما ترن في الأذن مقاطع كلمة البندقية بلد الرئيس القديم صاحب مجلس العشرة ومدينة الهوى والشباب. . .
٦ تموز - ميلان
بين البندقية وميلان تمتد حقول لومبارديا الفنية منبسطة بين نهري أديج وتيسان اللذين شهدا وقائع نابليون واشتهرا بانتصاراته، وهي حقول حسنة الإسقاء والإرواء غنية وعلى نمط واحد. ولم يطل بنا المسير حتى ظهرت لنا مدينة ميلان تحت الأمطار التي كأنها، وهي تتبعني من البندقية، تريد أن تنتقم مني لقلة إعجابي بمدينة العشاق والشعراء. ولميلان محطة عظيمة كأنها الكنيسة الكبرى. مدينة نشاط وعمل تدوي في أرجائها أصداء الهمة والجد. بيوت للعمال أشبه شيء بالثكنات وألبسة السكان ليست تلك الألبسة المسرحية التي تدل على لهو وخمول لابسيها من سكان الجنوب. وفي هذه المدينة يفهم الزائر حقيقة الجهود التي يبذلها الفاشستية في سبيل الإصلاح والأعمار بعيدة عن تأجج العاطفة وحماسها.
٨ - تموز - باريس
قطعنا، وذهب الأصيل ينعكس على زبرجد الماء، بلاد البحيرات الإيطالية وشهدنا مغرب الشمس على ضفاف بحيرة ماجور. وهنا أيضاً تبدو الخيبة فيما أمله الخيال. ولعل هذه