للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المناظر تظهر أكثر جمالاً للعائد من فرنسا، أما المسافر الذي غادر من أمد قريب مرفأ سلانيك فإنه لا يرى فيها غير أشياء بسيطة هي أشبه ما يكون بصور بطاقات البريد الملونة. ثم وفي مثل هذه المشاهد الشعرية يجب أن يكون إلى جانب نفس الناظر إليها نفس يأنس بها ليبثها ما يخامره من إعجاب بمرأى الطبيعة. لقد مر بهذه البلاد كثير من الأزواج جاؤها في ربيع العمر ليقضوا بين ربوعها شهور العسل حتى أن هواءها أصبح ملأن بالحنان الخفي ومشبعاً بالصبابة الناعمة وأنا أقطعها وحيداً أزعجني متاعب السفر الطويل فجعلتني صعب الرضى مر المذاق.

عدت إلى باريس وكان العود أحمد سعيداً، لشد ما يشعر بالغبطة والهناء من تخلص من أعباء الضغط والتحكم في بلغراد وميلان وارتمى في أحضان باريس لينعم بما فيها من الحرية والديمقراطية. ولعل في باريس من التهامل وعدم الاكتراث أكثر مما في غيرها من تلك البلاد ولكن فيها الحرية، والحرية هي أعظم خيرات الدنيا وأثمنها.

٢٠ تموز - كار لسروه

قضيت عشرة أيام في باريس عزمت من بعدها على السفر إلى ألمانيا فاجتزت اللورين الغبراء التي نشرت الكآبة لواءها فيها تحت سماء حديدية اللون، وقضيت الصباح في هراسبوغ ثم اجتزت الحدود من موقع كيهل. وجاء رجال الجمارك فنزعوا مني صحيفة الجورنال التي كنت أحملها والتي يظهر أنه من المحظور إدخالها إلى ألمانيا دون أن أبرز هذا الجواز ولا أدري إذا كان في ذلك ما يدل على الفوضى في الإدارة الهتلرية. وبدت لنا في جو يلتهب بحرارة القيظ مدينة كار لسروه مركز الصناعة الكيماوية التي تؤلف المئات من مداخن المعامل فيها منظراً جهنمياً، ولكن الدخان لم يكن ليتصاعد إلا من بعضها. ويشعر زائر هذه المدينة بما فيها من البطالة والضيق الشديد ولعل سبب ذلك ما اتبعته ألمانيا من الأصول الاقتصادية بعد الحرب فلقد حذت في إنشاء المعامل والمصانع حذو أمريكا فبنت وأعدت أكثر مما يلزم حتى أصبحت لا تستطيع تصدير وبيع ما تنتجه من السلع والمحاصيل الصناعية التي تجاوزت بمبلغ إنتاجها الحد اللازم فلم تعد تأتي حتى بما بذل في سبيل إنتاجها من نفقات كثيرة أصبح جلها ديوناً على منتجيها.

٢١ - تموز - ستوتغارت

<<  <  ج: ص:  >  >>