يشبه جلال موسوليني البارز ولا قامة مصطفى كمال الأنيقة وإن شاربيه القصيرين المقصوصين يقربانه بالشبه إلى شارلو الممثل المعروف ولكنه في الحقيقة يشبه شارلو الممثل المؤلم لا شارلو الممثل المضحك. على أن في شخص هتلر شيئين جديرين بالإعجاب وهما عيناه وصوته.
أن عينيه غريبتا الشكل لهما نظرات سطحية تكاد أن تكون محزنة تحمل من القوة المغنطيسية ما يخيل لمنة تقع عليه أنها نظرات الإخلاص والحقيقة. نعم أن هذه النظرات لا تنفد إلى أعماق النفس ولكنها تذهب إلى أمد بعيد فكأنها تتصل بأرجاء وأهداف غريبة منيعة لا يتاح للرجال الوصول إليها. أما صوته فليس فيه الرنة الصلدة التي حواها صوت فنزيلوس ولا تلك النغمة الفاتنة التي كانت ترافق صوت بريان ولا تلك الشدة التي تمازج صوت هريو، بل في صوته كما في عينيه شيء لا يحدد ولا يمكن تعريفه تقريباً. صوت أجش ومقاطع هي حالة وسطى بين النحيب والاستغاثة، وعلى الجملة فهو كنغمة الأنشودة الشعرية المحزنة.
ليس هتلر بالممثل البارع كما قالوا عنه كثيراً. بل كل ما في الأمر أنه يستطيع أن يبدي في أسارير وجهه ما لا يشعر به نفسه من العواطف. ولكن لا. أنه مخلص، غير أنه كرجل صوفي، وربما كرجل مجذوب. فهذا الصوت الساحر البديع ماذا يقول؟ أقوال غمرتها الظلمات. يقول أن الألمان يجب عليهم أن يجعلوا عضلات أجسامهم من حديد، وأنه يتحتم عليهم أن يذكروا أن قيمة الرجل في قوة ساعديه، لا في دماغه وأن الوطنية تتطلب إرادة من فولاذ لا عقلاً ولا ذكاء، وإن الذكاء ما هو إلا سلاح الضعفاء. ولهذه الآراء التافهة كانت الجماهير المحتشدة تهتف هتافاً هائلاً حتى أني أنا نفسي قد أوشكت أن تسكرني تلك العاطفة الهوجاء التي تضطرم في نفس الجماعات المتجمهرة فتجعلها تنتحب حماساً وأن أرفع ذراعي في الهواء وأصيح بدوري مع الصائحين (هايل هتلر. هايل. هايل.) ليعيش هتلر. ليعيش ليعيش.