في ألمانيا في سنة ١٩٢٥ لم يكن من أحد يهتم بهتلر أو ينتبه إليه ولم يكن للجريدة التي يصدرها من قراء أو مشتركين ولقد بلغ به الأمر أنه حاول إذ ذاك الانتحار ليلفت نظر الرأي العام وينبه الناس إلى عمله.
في كل مكان، على ضفاف الأنهر وبين المروج وفي الشوارع والطرقات يمر الشبان بأجسامهم القوية التي هي أشبه شيء بأجسام المصارعين مرتدين ألبسة الاستحمام أو حاملين فوق ظهورهم حقائب السفر يتغذون من الهواء الطلق والرياضي أكثر مما يتغذون من الخبز وهم جميعهم مفتولو العضلات أقوياء السواعد تكشف أفواههم عن أنياب طويلة حادة. أن هذا الشباب الذي يدعو للحيطة والحذر يطلب مكانته تحت الشمس ويظهر أنه على استعداد دائم لنوال ما يطلب حتى ولو أدى به ذلك لأن يطرح أرضاً كل المبادئ الأخلاقية والدينية القديمة فيرجع إلى ما غبر من أصول المجوسية في القبائل الجرمانية الغابرة.
إن أمر هؤلاء الشبان الرياضيين مضافاً إليهم الفتيات اللواتي يظهر أنهن لسن أقل شأناً في القوة والأقدام منهم هو الذي جعلني ارتجف خوفاً على مستقبل السلام أكثر بكثير مما أحياه في نفسي من الخشية والحذر ذلك الزي العسكري الغريب الذي يرتديه الهتلريون.
لقد انتهت في هذا اليوم أعياد الألعاب الرياضية التي أقامتها المدينة والتي حضرها ملك أسبانيا السابق. وقد أشارات الإعلانات إلى أن حضوره للتسلية فقط وكان جالساً في مقصورة الرئاسة لجانب هتلر وفي ذلك دليل على أن هتلر يود أن يؤيد ما بنفسه من عواطف الرجعية ويظهر للجماعات الألمانية أخلاصه للنظام الملكي الذي لم تخمد شعلته في نفوس هذه الجماعات بعد إلا قليلاً. وفي حوالي الساعة الخامسة انبرى هتلر للخطابة فتكلم مدة ثلاثة أرباع الساعة وكانت الآلات المكبرة للصوت تنشر صدى كلامه وآلات الراديو تنقل هذا الكلام إلى كل جهات ألمانيا. وفي هذا الوقت كان ثلاثون مليوناً من الرجال على الأقل وهم نصف الشعب الألماني يصغون إليه كما يصغون لوحي الأنبياء. وهذه هي المرة الأولى التي أراه فيها عن قرب وأتفرس في ملامحه. ليس هو بالجميل ولا تناسب في تقاطيع وجهه. فهو ذو ذقن حليقة مربعة الشكل وشفتين رقيقتين وخدين منحدرين وقامة متوسطة وكتفين أحدهما أعلى من الآخر، لا أنه غير جميل وليس فيه ما