بأن يهاجر للغرب. كان المجتمع في ذلك الحين آخذاً بالتوسع والامتداد وكانت الناس تتساوى أمام الطبيعة وتتساوى بحاجتها للتعاون على عدو مشترك ولما بدأت الصناعة الحديثة قام بأمرها أناس عبقريون لم يرثوا مالاً، ولذا كان الطريق مفتوحاً للجميع على التساوي. أن أثر ذلك لا يزال راسخاً في العقلية الأميركية بالرغم عن تبدل الظروف رأساً على عقب فكل أميركي يحلم أن يصبح في يوم من الأيام غنياً. فالعقلية الأميركية هي (بورجوازية) في تكوينها وأهدافها، ولم يمض على ما تم من التبديل وقت يكفي لتبدلها ولذا لن تجد الشيوعية أرضاً خصبة في هذه البلاد في الزمن الحاضر.
ولا ينحصر سبب ابتعاد الأميركيين عن الشيوعية بما تقدم فالشيوعية ليست نظرية اقتصادية فقط بل هي اجتماعية وهي تحارب الدين حرباً لا هوادة فيها وهذا مما يزهد الأميركيين بها أيضاً ليس لأنهم أكثر تديناً من الأوروبيين بل لأن الدين تطور سريعاً في أمركا ولم يكن في يوم سلاحاً في يد الطبقة الحاكمة كما في روسيا أو فرنسا قبل الثورة. لم يقم في أمركا نحالف بين التاج والصليب. إذ لم يكن فيها تاج. ولم يجمد الدين في أمركا بل تجرد عن كثير من العناصر التي لا شأن لها بوظيفته الأصلية واقتصر أمره على الحياة الروحية التي تسمو بالإنسان فوق عالمه المادي وتقرب بين الإنسان وأخيه الإنسان. لمعرفة حدود التساهل الديني عند بعض الطوائف هنا اذكر حادثة استغربتها جداً إذ ذهبت صباح أحد لكنيسة فوجدتها مغلقة وقد ألصق على بابها إعلان يدعو الأعضاء المحترمين لحضور حفلة القداس في قاعة كبيرة وسط المدينة وقد جاء فيه اسم الواعظ وموضوع الوعظ فإذا هو: كيف ينبغي أن نفهم كارل ماركس. والأخير كما هو معلوم زعيم الشيوعيين الذين يقولون: الدين أفيون الشعب.
وهناك خلاف آخر هو العائلة فالشيوعية خلقت نوعاً جديداً من العائلة لم يعرفه الإنسان من قبل وهو قائم على أساس التساوي التام بين الرجل والمرأة وسهلت الزواج والطلاق ومنع الولادة إلى أبعد الحدود. ولكن العائلة الأمريكية لا تزال تتمتع بالظاهر على الأقل بما يخلعه الدين عليها من روحانية وقدسية وقد تطورت كثيراً إذ أصبح الزواج مدنياً وكثر الطلاق حتى أنه يزيد عما يحدث منه في روسيا ذاتها فالعائلة الأمريكية فقدت القدسية القديمة ومع ذلك يحرص الأمريكيون على الشكل الذي عرفوه وألفوه.