سبينوزا ولا بضيقه أيضاً. ومع أن سبينوزا هو أبعد الفلاسفة عن تصور الله مخلوقاً على نموذج عقله، فقد كان تصوره لله محدوداً ب - (الامتداد والفكر) محاولاً بذلك أن يبتعد عن المقاييس الإنسانية ولكن الدكتور (ماتينو) قد نقض فكرة سبينوزا قائلاً لم تطرأ فكرة الامتداد على سبينوزا إلا في نظره إلى حالات جسمه الطبيعية، ولم ير أن الله فكرة إلا بعد أن نظر في خصائص عقله ولا ريب في أن الامتداد والفكر هما ظاهرتان أخص ما تتصف بهما الأجسام والعقول. ولكن فكرة سبينوزا كتصور لكون شامل بعيد عن الحدود الإنسانية ما أمكن، تظل، بالرغم من فقدان البراهين القاطعة والصفة الإنسانية التي تمثلها كلمتا (الفكرة والامتداد) عاملاً فعالاً في إيقاظ المذهبين المتعنتين الذين يصنعون لوجود الله قانوناً مماثلاً لحاجاتهم ومستمداً من تجاربهم الشخصية. هذه مبررات كافية تحملنا على الانحناء لهذا الذهن الجبار مرهفين إسماعنا إلى المفكر الفرنسي ربنان، عند إزاحة الستار عن تمثال سبينوزا حيث وقف يقول (ويل لمن يقذف هذا الرأس المفكر بالشتيمة عندما يمر أمام نصبه. لأنه سيعاقب عقاب النفوس المظلمة بالجهل والانحطاط وعدم القدرة على التصور الإلهي لهذا الكون. إن هذا الفيلسوف (مشيراً إلى سبينوزا) سيدل الناس جميعاً من قاعدة تمثاله على طريق السعادة الذي اكتشفه، وبعد مرور أجيال سيمر السائح المثقف بهذه البقعة قائلاً في قلبه أن أصدق تصور لله، قام في مخيلة هذا الرجل.
حينما يقول لنا أنهم يمتلكون مفاتيح الحقائق في جيوبهم أو في قلوبهم، وبها يتمكنون من معرفة بارئ الكون وماهية الخلق ويدركون أن كل شيء هو مادة أو روح. حينئذ نقدم لهم نظرية سبينوزا في الكون اللانهائي والبانته ئيزم كعلاج واقٍ يبعد عنهم القلق ويمنعهم من الفوضى، ونقول لأولئك اللاهوتيين التائهين في صحراء الوجود: نحن لا نصدقكم ولا نؤمن بحدودكم الضيقة لأن الله عظيم.