لقد حدا بي إلى كتابة هذه السطور ما قرأته في مجلة الثقافة الغراء في صفحتي ٦١٢و٦١٣ من سهام النقد التي سددت إلى كتابي (فلسفة مناهج العلوم) ولم تر المجلة لزوماً للتصريح باسم الناقد مع أنها لم تستتر في نقد الكتب الأخرى.
فمما ذكرته في مقدمة هذا الكتاب العبارة التالية:
هذا ولا يخلو مثلي من الوقوع في مهاوي الزلل ولذا فإني أتقبل الناقدين قبولاً حسناً مقروناً إلى شكرهم باسم العلم. . . الخ نعم، ولكن على أن يكون هذا النقد صحيحاً. أما إذا كان مغلوطاً فإنه يترتب علي طبعاً أن أفند مواطن الخطأ فيه، دفعاً لما قد يعلق في ذهن القارئ الذي لم يتح له مطالعة كتابي هذا من الأفكار المباينة للواقع ومنعاً لتشويش أفكار الطلاب الذين يدرسونه بلهف واعتماد.
أجل إني رجحت التعريب الصريح ولم أقل الصحيح كما ذكرته المجلة سهواً، لأني أكثر تواضعاً من أن أدعي بالصحة في هذا الموضوع الحديث الدقيق (وهذه عبارة طواها أيضاً حضرة الناقد) على التأليف الملتقط. وقصدت من ذلك التعريب الذي يصرح معربه للملأ معترفاً بأنه تعريب لا أن يترجم أو يلتقط وينتحل ولا يعترف بهذه الترجمة وهذا الانتحال، بل لا يرى غضاضة في المباهاة بأنه هو المؤلف. نحن لا ننكر أن التأليف الحر حسن، على أن يكون حقيقة تأليفاً لا تعريباً ملتقطاً ملفقاً. وإني لا أزال أرى (ولكل رأيه) التعريب في العلوم الفلسفية الحديثة الدقيقة في نهضتنا الفتية، أفضل من انتحال التأليف المشوب بالنقائص والمقتصر على ما استطاع المؤلف فهمه، مهملاً ما لم يكن في متناول إدراكه. وليت شعري، هل المقالات المزخرفة والمواضيع العلمية المنقمة التي تسود في المجلات والكتب من وضع صاحب التوقيع وابتكار بنات أفكاره أبداً، أم جلها مترجمة منتحلة؟.
وقد أخذ علي حضرة الناقد الصدق في التعريب، ومتى كان الصدق محطاً للملامة؟.
أما قول حضرته: فجاء كتابه أنموذجاً في صناعة التعريب الحرفي حتى أنك تكاد تشعر بالأصل الفرنسي خلال الترجمة العربية فهذا قول مجرد لا يقوم عليه برهان، إذ التعريب الحرفي يكون على ما أفهم بصف الكلمات المنطبقة على الأصل جنباً لجنب، مما يجعل