بنظراتها وهي جالسة أو راقصة في المسرح إلى من تشاء وأن تبتسم وتومئ إلى من تريد وأن تتقبل زجاجات الشمبانيا التي يبعث بها إليها عشاقها، وأن ترفع كأسها فتشرب نخب من قدم هذه الهدية إليها. ويصعب أو يتعذر على العشاق محادثة هؤلاء النسوة، وقد تزيدهم هذه الصعوبة غراماً فيعانونها برغبة ولذة.
ويغلب على المرأة التي تغني في مثل هذه المسارح أن لا يكون لها من الجمال والصوت والبراعة في الرقص ما يجعلها تستغني عن أن تمثل لعشاقها أدوار حبها وهيامها بهم، فهي تمثل دائماً وأبداً وتحوجها الإجادة في هذا التمثيل إلى استعداد فطري قد ينشأ معها وتمرين تعاوده أياماً طويلة وقد تجيد هذا النوع من التمثيل الإجادة كلها، ولكنها قد لا تنجح فيما تقصده من تمثيلها، لأنها تحتاج في هذا النجاح زيادة عن الإجادة في التمثيل، لأشياء كثيرة صعبة المراس، فهي لا تكتفي بما تحتاجه الممثلة لكي تجيد التمثيل، من الذهول عن نفسها وتناسيها ذاتها ليتسنى لها أن تتقمص الشخصية الجديدة التي يتطلبها الموقف بل يحوجها الأمر لأن تمثل لكل من عشاقها الدور الذي يلائم طبعه، وأن ننتخب لكل واحد منهم الموقف الذي يتفق مع مزاجه، وكثيراً ما يقضي غليها الأمر أن تختار من الأدوار ما تخلق أوضاعه خلقاً وترتجل فصوله ارتجالاً دون أن تكون قد فكرت فيه أو استعدت له من قبل. وكثيراً ما تحتاج أيضاً لأن تمثل من الأدوار ما يناقض بعضه بعضاً فتمثل الفرح لأحدهم وتشخص الحزن لرفيقه في آن واحد وتعاني في التوفيق بين هذا التناقض ما لا يمكنك أن تعرف شأنه ودقة الصنعة فيه إلا إذا رأيت تلك الأمارات المرسومة على محياها في موقفها هذا وهي تدل على إجهادها النفس وقسرها على ما ربما كان فوق طاقتها، وإنك إذا أطلعت على ما بين أمزجة عشاق هذه المرأة من التباين وما في مشاربهم من التفاوت وعرفت أنهم جميعهم، يحتشدون أمامها في ساحة واحدة، وإنها مضطرة لأن تقنع كلاً منهم بأنها عالقة به وحده وإنه لا مهرب لها من أن تهتم خلال ذلك في الغناء الذي تغنيه ما الرقصة التي ترقصها وتحافظ على مقاييس الأنغام لترضي بقية المتفرجين من غير العشاق أيقنت من عظيم الجهد الذي تبذله هذه المرأة وشدة الذكاء والمقدرة التي تحتاج إليهما فيما تعانيه من عملها الشاق، وأجدني متشوقاً لكي أؤيد لك ذلك، إلى أن أصف لك موقفها من عشاقها وموقفهم منها، وأذكر لك بإيجاز بعض ما يبدو للناقد وهو يراقب (المتفرجين) في هذا