المسرح فأطلعك على ما يمثل هنالك من أدوار قد يشترك في بعض فصولها أفراد الجوقة وصاحب المسرح وخدامه وكثير من العشاق والحاضرين أيضاً.
فهنالك بين الجالسين أمام المسرح، ثلاثة رفاق لعلهم من أبناء وجهاء المدينة، جلسوا حول منضدة صفت عليها أقداح العرق وأطباق الفاكهة، وإذا عن لك أن تراقبهم علمت أن الأول من بينهم هو العاشق المتظاهر بحبه، وإذا أطلت نظرك إليه علمت أنه يعتقد بل يجزم بينه وبين نفسه بأنه الرجل الوحيد الذي اختصته هذه المرأة بحبها من دون الناس جميعاً، فهو لا يبرح يتعهد تصفيف شعره ويتفقد منديله الحريري المتدلي على صدره، ويرفع كأسه بين آونة وأخرى عندما تمر بنظرها عليه، فيشرب نخبها وتشرب نخبه من زجاجة الشمبانيا التي بها إليها. وتفهم من نظرات الرفيق الثاني إلى هذه المرأة وإغضائه عنها كلما التفت إلى رفيقه أنه لا يريد أن يقف من رفيقه موقف الخصومة في الحب فتجده يغتنم الفرص كلما سنحت ويبعث إليها بنظرة وابتسامة يحاول أن يمثل لها بهما حال العاشق المتألم الذي لا يبيح له الموقف أن يظهر ما تكنه جوانحه من بوارح الحب. وتنظر إليها فتجدها قد فقهت ما يريد أن يفهمها إياه، فرفعت كأسها وشربت نخب رفيقه متبسمة، ثم حولت نظرها إليه من طرف خفي، كأنها تشير إليه أن بين جوانحها أيضاً من آلام شغفها به أضعاف ما به لكنها لا تريد أن يطلع على تحاببهما هذا رفيقه الذي بذل لها من هداياه وشرابه الشيء الكثير.
وترسل طرفك إلى الرفيق الثالث، فتراه وقد جلس جلسة الر جل الرصين المتظاهر بأنه أعرف بهذه الأمور وأعلم بحقيقة الطريق التي يجب أن يسلكها الرجل ليصل منها إلى قلب المرأة التي يحنها، وتجد \ ها وهي تمر بنظرها عليه قد علمت ما يريد أن يفهمها من أمره فتحاول أن تفهمه، يما تخلقه في محياها من علائم الإعجاب بأوضاعه أنه لا يعجبها من الرجل إلا رجاحة عقله ورصانته في مجلسه فلا يلبث أن يبتسم بينه وبين نفسه ابتسامة العاشق المنتصر على عذاله.
ويضحك رجل جلس وحيداً وراء هؤلاء الرفاق الثلاثة ينظر إلى تلك المرأة بشغف ويسرع إلى رفع كأسه عندما يرى أحدهم قد رفع كأسه ليشرب نخبها فيشرب معه ومعها ويكتفي أن يسلك بغرامه هذا الطريق الخيالي الذي لا يكلفه شيئاً من المال. وتنظر إليها حينئذ فتجدها