تسعى جهدها لتبعث إليه برشاش من تلك الابتسامة التي وجهتها إلى غيره، وتعرف من أثار الغبطة الظاهرة على شفتيه أنه سعيد بما ناله يخيل إليه أن هذا الرشاش الذي أصابه هو بحر من الحب قد غمرته أمواجه.
ويحزنك رجل من أرياف المدينة جلس غير بعيد من هؤلاء، تجده ينظر إلى هذه المرأة نظرة العشق الآمل، ويرفع كأسه كلما رآها ترفع كأسها فيشرب نخبها، وتراها لا تنظر إليه أبداً ولا تبتسم له قط، وإنك إذا شئت أن تبحث عن أمره تعلم أن خادم المسرح قد خدعه كما اعتاد أن يخدع الكثيرين من أمثاله في كل ليلة فأوهمه أن المرأة وهو يعلم من أمر شغفه بها ما يعلم، بعثت تطلب منه زجاجة من الشمبانيا، فأجاب طلبها، وإن شئت فقل طلب الخادم الذي تقاضى ثمن الزجاجة من عشاق كثيرين أيضاً ورأى هذا الرجل أن المرأة لا تنظر إليه ولا تشرب نخبه فخيل إليه أنها لا تريد أن تتظاهر بحبها له أمام عشاقها بعد أن اصطفته لنفسها من دونهم جميعاً، فطار في جو خياله سعيداً هانئاً. ونقد الخادم ثمن الزجاجة الموهومة التي لم تعلم هذه المرأة من أمرها شيئاً.
وهنالك شابان متأنقان في ملبسهما، يظهر لك من أوضاعهما وشدة اهتمام خدام المسرح بهما أنهما من أبناء الأغنياء وموظفي دواوين الحكومة وتفهم من نظراتهما لنساء المسرح ومغازلة هؤلاء لهما أن الأول مولع برئيسة الجوقة يتظاهر لها بحبه وإن الثاني عاشق للمرأة التي تجلس بجانب الرئيسة، وتعلم من أمر الثاني هذا الثاني أنه غير قانع بحبه لهذه المرأة وحدها فهو يود لما يراه بنفسه من القدرة على معاناة هذه الأمور أن يظهر للرئيسة هيامه بها أيضاً فتجده يخالس رفيقه النظرات العميقة إليها مبتسماً. ثم ينقطه عن التبسم متصنعاً الإطراق والتفكير ليمثل دور المتردد في أي الحبين يختار. وتراه كأنما يريد أن يثبت للرئيسة أنه أرجح عقلاً من صاحبه وأعرف منه بشؤون المجالس، فينصرف إليه متكلفاً الإخلاص له وينبهه - بإشارات تفهمها الرئيسة - إلى أنه مخطئ في جلسته التي يجلسها، أو مخل بما يجب أن يراعي في مثل هذا الموقف، وينتبه رفيقه إلى ما يرمي إليه من نصحه فيكاتمه ما عرفه من أمره، وتلحظ جارة الرئيسة الدور الذي يريد أن يمثله عاشقها ليؤيد صلاته مع جارتها فتبتسم لرفيقه، وتومئ إليه أن ينتقم لنفسه من صاحبه فيغازلها هو أيضاً، فينصرف بنظره عنها كأنما يريد أن يفهمها أنه يأبى أن يكون متقلباً