للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كرفيقه، وتفقه الرئيسة ما دار بينهما من الحوار الصامت فتطرق مفكرة وقد انتشرت على وجهها غبرة من إجهاد النفس في سبيل الاهتداء إلى الدور الذي يجب أن تمثله بهذا الموقف لتنتصر على جارتها وتستأثر بالاثنين معاً. ويرى ضارب العود الجالس إلى جانبها إطراقها وذهولها وهو يعشقها ويتوهم أنها مولعة به، فتحدوه الغيرة لأن يظن أن مبعث إطراقها وتفكيرها هو شغفها بأحد عشاقها، فتنم أسارير وجهه على ما يخامر فؤاده من القلق، وينظر إليها نظرة التذكير بالحب، فتميل نحوه ميلة تتفق مع توقيع الأغنية التي تغنيها بتدريبه ومساعدته، وتتكلف الابتسامة له تكلفاً يظهر لك من خلاله أمر ما تعانيه في هذا الموقف من عمل شاق تكاد أن ترتبك فيه.

وهنالك أربعة شبان لعلهم من طلاب المدارس العليا جلسوا قريباً من المسرح تفهم من مغازلة الرئيسة لهم أنها لا تأمل من وراء ما يظهرونه لها من الحب نفعاً كبيراً فتجدها تبتسم إليهم جميعاً ابتسامة واحدة تقسمها بينهم تقسيماً يدهشك ما فيه من مهارة في الصنعة وكثيراً ما تراها تبعث إليهم بهذه الابتسامة مشاعة فيتقاسمونها بينهم قسمة رضائية أو يختلفون عليها فيعتقد كل منهم أنها له وحده فيصفق لها ويحيها.

ويسترعي اهتمامك رجل علت وجهه مسحة من طيب السريرة، جلس بين جمع من رفاقه وهو يميل إلى هذه المرأة لكنه يود أن يسلك في التعرف إليها طريقاً قليلة النفقة فيبعث إليها مع خادم المسرح بعلبة صغيرة من (الملبس) دون أن ينقد الخادم أجراً مقدماً على عمله، ويسرع أحد رفاقه، خفية عنه، فيرشوا الخادم ويومئ إليه أن يفهم المرأة أنه هو الذي أهدى هذه العلبة إليها، وتجد الرجل لا يكاد يرى المرأة وقد بدأت تلتفت إلى صاحبه متبسمة وتهتم به من دونه حتى تبدو على محياه علائم الاضطراب والغضب فيردد طرفه بين المرأة وبين صاحبه مستغرباً الأمر مرتاباً فيما وقع، ويستوضحها الأمر بنظراته وإشاراته فتحدق نظرها فيه وتجهد نفسها لتعلم ما يريده منها فلا توفق إلى ذلك.

وهنالك رجل من ذوي النفوذ والسلطة جلس بعيداً عن المسرح وهو ولوع بهذه المرأة فتراه ينظر إليها مقطباً حاجبيه كأنما يريد أن يذكرها بماله من السلطة عليها وتجدها قد رزنت في مجلسها عند مجيئه واهتمت كثيراً بأن تظهر له أن ليس بين عشاقها من يشغلها عن الاهتمام به، وترى صاحب المسرح قد خف للقياه مرحباً به غير ناس أن يشير إلى المرأة

<<  <  ج: ص:  >  >>