من طرف خفي ليذكرها أيضاً بما يجب أن تمنح من التفاتها لهذا القادم إليه بأنها عارفة بما يجب عليها.
ويدخل القاعة شاب تعرف من مظهره وخيلائه كثرة ندمائه المحتاطين به أنه من كبار أغنياء المدينة، وترى هذه المرآة تنظر إليه باهتمام بعد أن رأته يطيل نظره إليها، فتلفتت إلى جارها ضارب العود فتسأله عن هذا القادم الجديد، وتراها تريد أن تفهم هذا الشاب أنها تسأل عنه لتظهر له أنها بدأت أن تكون شديدة الاهتمام به مذ رأته، وتجده حينئذٍ وقد أغواه ما أكتشفه من أمر سؤلها عنه قد أزداد تيها وعجباً، وتشعر هي بنجاحها في دورها الأول فتستعد لتمثيل الدور الثاني الذي اعتادت أن تستغوي به أمثاله لولا أن يزعجها حينئذٍ رجل من طبقة العوام جلس قريباً من المسرح، أطربه ما تغنيه فرماها بتفاحة كبيرة أصابت يدها ووقعت في حضنها. وتقدم الشرطي ليقبض عليه، فاحتاط به رفاقه يمانعون في أخراجه من بينهم، وأصر الشرطي على أخراجه فوقعت بينه وبينهم معركة صغيرة لم يكد ينتهي أمرها ويرجع مشاهدوها إلى مجالسهم حتى وقف ذلك الشاب متظاهراً بانزعاجه مما كأنه لم يعتد أن يراه. ثم لا يلبث أن يخرج مع أعوانه وندمائه مظهراً تأففه مما رأى.
ولا تنهض هذه المرأة للرقص. وهي آخر من يرقص من نساء المسرح، حتى تكون الخمرة قد فعلت فعلتها في رؤوس المشاهدين. وكثيراً ما يحدث حينئذٍ أن يقف رجل يترنح سكراً فيطلب إليها أن تغنيه أغنية يحبها. ويصيح من الجهة الثانية رجل آخر فيطالبها بأغنية غيرها. ولا يلبث بعد قليل أن ينضم لكل من الرجلين رفاقه. ويسرع الشرطي لتلافي الأمر فلا يكاد يصل إليهم إلا وقد ابتدأت المعركة بينهم. وقد تستمر المرأة في غنائها ورقصها حينما تكون المعركة خفيفة الوطأة. ويتقدم الشرطي فيقود معه من يقود منهم ويعود الأمن إلى نصابه. وتلتفت فترى رجلاً بلغت منه الخمرة أشدها وقد أشجاه غناء هذه المرأة وهاج رقصها ما كمن في نفسه من شعور هيامه بها. فأهوى برأسه على عضد رفيقه يبكي وينتحب. وتمر بنظرها عليه فيضحكها بكاؤه. ويرى ضحكها رجل آخر جالس غير يعيد من الباكي. فيندفع صائحاً: يا لها من امرأة فاجرة لئيمة لا يضحكها إلا منظر الدموع التي تسكب قدميها، وينهض وهو يحاول أن يهاجمها في مسرحها. فيحول بينه وبين ذلك رفيق له لعله أقل سكراً منه.