وترمي بطرفك إلى جهة أخرى، فترى رجلاً يشتد به السكر فيهوي عن كرسيه ساقطاً إلى الأرض. فينهضه ويعيده إلى مجلسه. ثم يقدم له كأساً من الخمرة فيتعذر عليه شربها. لأنه لم يبق في أحشائه فراغ يستوعبها. ويرى رفيقه أن المرأة تنظر إليهما فيود أن يسترضيها فيستحلفه بها ويطلب إليه أن يشرب نخبها. فيحتسي الكأس مضطراً ثم لا تلبث أن تضيق أمعاؤه بد ذرعاً. فيعيدها وكأنما يعيد معها قطعاً من أحشائه.
ولعلك إذا التفت إلى ناحية ثانية رأيت مناظر شتى لا تخرج عما يمثله السكارى من الأدوار التي يحزنك أكثرها وقد يضحك بعضها وإذا أردت مراقبة هذه المرأة أكثر مما راقبتها وانتظرت خروجها من مسرحها رأيتها حينئذ وقد أحاط بها جمع غفير من عشاقها وأكثرهم سكارى. فيتقدم الأول إليها باسطاً يديه يذكرها بعهده. ويعترضها الثاني في طريقها فيعاتبها ويسترضيها. ويحاذيها الثالث فيحاول أن يستغويها بمزاحه وهزله. وقد يهاجمها مشهراً خنجره بيده يريد أن يؤيد حبه لها بالسلاح الأبيض وتجدها في هذا الموقف أشد ما تكون ارتباكاً واضطراباً لا تعرف أيهم تجيب ولا أياً منهم تسترضي. ويزيد في همها أن الشرطي يسير غير بعيد منها يراقبها وينذرها من حين إلى آخر بمنعها عن عملها في المسرح.
وكثيراً ما يؤنبها ويوجه إليها من كلماته ما يؤلمها ويغضبها وقد تظل في ارتباكها حتى دارها. وكثيراً ما ترى المعركة قائمة على بابها بين من سكروا في مسرحها وبين أفراد الشرطة.
٢ - المقصف
لا أعلم أن كنت أوفق بما أصفه لك في هذه
العجالة من صور المقصف، لأن وصف الواقع
وتمثيله باهتمام ورغبة يحتاجان لحالة خاصة من
حالات النفس هيهات أن تبقيها السنوات العشر
الغابرة على ما كانت عليه، على أني سأجرب وفي
التجريب ما قد يدعو للتوفيق.
سأحدثك إذاً عن المقصف في دمشق، وأريد بالمقصف ذلك الملهى الذي لا عهد لدمشق به