القصابين لا يرحمون صغر سنه فأجابه الإله أنا نفسي لما أنظر إليك، اشتهي لحمك الطري!. . .
فالآلهة نفسها فيها من العنصر الإنساني حس الضحك والميل إلى العبث! وليس هذا مما يعاب عليه شوقي.
ينظم بعض شعرائنا قصائد نصفق لها، لا لأنها كما يقول نيتشه تصور لنا أننا عظماء وأننا أقوياء وإننا نستطيع أن نفعل كذا وكذا. . .
فنعجب بها في الظاهر ونحن إنما نعجب في الواقع بأنفسنا، كمثل خطيب نصفق له لا لأنه إبداع وأجاد ولكن لأنه ردد كلمات معروفة ولكننا نحب سماعها، وكمثل كثيرين تهز أقوالهم أجسامنا، وتثيرنا بصورة الفاجعة لا ببراعة تصويرها، بالدموع لا بالآلام، وباللطم على الوجه لا بالإفهام!
قد يكون في شعر شوقي شيء من هذا الشعر الذي يستمد قوته من غير العبقرية والفن، ولكن في شعر شوقي قطعاً إذا لم نسمها صوراً شعرية كاملة فهي قطع من أسمى الشعر وأعمقه، وهي كثيرة في شعره الوطني، وإن من الأبيات التي قالها في دمشق وغيرها ما لو أنشدت عند ميت لاهتزت في قبره عظامه!
وهنا، أخيراً، شوقي الروائي، فمهما اختلفت أحكامنا في شعره المسرحي فأن المسرح العربي لا يعرف أحسن منها ولو عد بها في القدماء لكان أقربهم إلى المجددين!
هذه طائفة من الأفكار خطرت ببالي وأنا أقرأ أشعاراً لشوقي، ذكرتها لأخلص منها إلى الرد على جماعة من الكتاب يدعون أنهم انتقدوا شوقي وعابوا شعره وهم في الواقع إنما ينقدون أسلوباً ولوناً من العبقرية٠٠وهو الأسلوب العربي٠٠ فنقدهم عاطفي شخصي وإن ألبسوه ثوب العلم.
يذكر (فاغيه) - النقادة الفرنسي الكبير - في كلامه على الدراما القديمة والدراما الحديثة ثلاثة أساليب في عمل الروايات: اليوناني والانكليزي والفرنسي، ومن جملة ما يصف به كل واحد من هذه الأساليب قوله:
اليونان عشاق جمال، فأوصافهم بسيطة لأن الجمال بساطة الخطوط ونبل المواقف.
والانكليز عشاق حقيقة واقعة فأوصافهم معقدة لأن الحياة معضلة. . .