طوله كأنه يقدم لك سيفاً للبراز، ويده تبعد عنه إلى حد أنه تصعب عليك، عندما يحني رأسه، معرفة ما إذا كان يحييك أم يحيي يده!
وهناك فلسفة غزيرة للتحايا: تحية الجمود الرفيع والإهمال السريع وتحية الذي تمتد يده لمصافحتك عندما يسمع اسمك، كأنها بالرغم منه دون أن يشاركها نظره أو أي حركة من جسمه. ثم تحية الدوشيش دي غير مانت التي تحيي الزائرين بأن تشع في عينيها لهيباً ذكياً فإذا كان ثمة حفلة عيد كبرى فإنها تشعل عينيها طوال الليل!.
أدب بروست أوسع من أن يلم به كله في مقال. لذلك اقتصرت على بعض الخاطرات التي عرضت لي عند قراءته. وقد ألححت على نقطة لم ينتبه إليها أحد من نقاد هذا الكاتب وهي التأثير السلبي الذي يحدثه أدبه. فأسلوبه ليس أسلوب الإيحاء الذي يعطيك أكثر مما في محتواه بما فيه من موسيقى تغنيك فتفكر، تغنيك فتعمل، بل إنه لا يوحي لك شيئاً لأنه يقول لك كل شيء، بل ربما أوحى لك اليأس لأنه بذكائه العجيب قد استنفد كل معاني الموضوع فأتى على كل جهاته، ونزل إلى أظلم دفائنه، وحلق في أبعد أجوائه حتى تركه أمامك جثة هامدة. ولعل خير دليل على نظرتي هذه هو أن بروست بقي وحيداً فريداً في فنه، ولقد صرخت كاتبة انكليزية شهيرة، بعد أن أنهت قراءته، صرخة إعجاب ويأس: كيف يمكن للمرء أن يكتب بعد قراءة أديب كهذا؟!