ولكن ما أقصر مثل هذا النظر وما أضيق مثل هذا الفكر!
هل استطاع العلم والفن الصناعي منذ آلاف السنين إيجاد شيء يفوق اختراع الكتاب، بل يضاهيه؟ فإن الكيمياء لم تكتشف مادة مفرقعة تقرب من الكتاب في تأثيره البعيد المدهش، ولم تصنع من صفائح البولاد والشمنتو المسلح ما يزيد في المتانة والبقاء على هذه الحزمات الصغيرة من الورق المطبوع ولم يتوصل الفن إلى إبراز شعلة كهربائية يضاهي نورها ما ترسله بعض المجلدات من أنوار. ومن الصعب أن نقايس بين أعظم التيارات الكهربائية الصناعية وبين الهزة التي تعتري النفس عند تماسها ببعض الكتب.
ليس من خوف من جانب الصناعة والفن على الكتاب الذي لا يبيد ولا يبلى ولا يتغير على ممر الأيام والذي يجمع أعظم قوة ممكنة في أصغر وأبسط حيز ممكن بل أليس الصناعة الفنية نفسها إنما يمكن تعلمها وتطورها وتقدمها بالكتب؟ فالكتاب هو كل شيء ليس في حياتنا الخاصة فقط بل في جميع الأمور وهو المبدأ والمنتهى في كل معرفة وعلم.