ناديها وكانوا يجوّدون أشعارهم ويحلقون فيها ويهفهفونها حتى يفوز أحدهم بقولها له: أحسنت وأجدت.
وكانت سكينة تفضل الشاعر عمر بن أبي ربيعة وترفع مكانته بين الشعراء. ففتحت في عبقريته روحاً من الخلود، كما كانت تشجع الأدباء وتكرم الشعراء وتدني مقاعدهم وتقدر أقدارهم، والشعر ريحان، إذا تعهده الجنان بالأرواء والإسقاء أمرع وأزهر وهذه المجالس خير مسعف للشعر وباعث للعبقرية.
ويذكرني ابن أبي ربيعة بابن زيدون ومجلس ولادة بنت المستكفي من خلفاء بني أمية في الأندلس بقرطبة وكان في قرطبة كما يحكي ابن فياض في تاريخه عن أخبارها مائة وسبعون امرأة كلهن يكتبن المصاحف بالخط الكوفي، فما بالك في أنواع الكتابات وتفنن النساء بغيرها من نواحي الأدب والفنون في ذلك العصر العربي المجيد. لقد كانت قرطبة جنة الدنيا في زمانها، وفي إبان ازدهارها وعمرانها. كان يختلف إلى مجلس ولادة الشعراء والعلماء، وكانت هي سافرة فتساجل الشعراء والأدباء وتأخذ على أشعارهم بالمغامز ما بين نثر المترسلين وآداب المتأدبين. فأثر مجلسها في عبقرية رجال الأندلس وكان لها علاقات غرامية مع الوزير ابن زيدون الذي انطلقته بخالد الشعر فرققت ولادة ديباجة كلامه فجاء ساحراً قوياً، وكانت له سيدة بنات أشعاره وقد تعذب في سبيل تفضيلها إياه ورفعها شأنه فحسده الوزير ابن عبدوس وسجنه وشتته وصادر أمواله فقال بولادة قصيدته الخالدة:
أضحى التنائي بديلاً من تدانينا ... وناب عن طيب لقيانا تجافينا
فابن زيدون لولا مجلس ولادة وهيامه بها لكان أحد الشعراء الذين أبصروا الدنيا ثم رحلوا عنها ولم يبق لهم أي ذكر فيها.
ذكرت كل هذا فرأيت أن أدبنا العربي المنيف مليء بمثل هذه المجالس التي جعل منها الأديب الفرنسي بواعث نهضة أدبه ولم نجعل نحن منها هذه البواعث لأدبنا، وقد تقول طائفة من الشعوبية التي تطعن بالعرب أن ليس لدينا أدب قمين بالذكر والعناية والتقدير، لأنها ثملت بخمرة التمدن الغربي وشغفت بأدب الغرب دون غيره، فتاهت في حكمها، وفاتها أن لنا في أدبنا العربي من الروائع والبدائع ما احتذاه الغربيون في أدبهم حتى جاء جميلاً كاملاً، وقد يكون أدباء الغرب أنفسهم أخذوا طراز هذه المجالس عن العرب، فإذا