ضيافتها جرير والفرزدق وكثير وجميل ونصيب وهم حملة لواء الشعر في عصر نبي أمية كله، فمكثوا عندها أياماً لبثوا فيها يتناشدون الأشعار ويروون الأخبار وكانت تسامرهم وتفضل أحدهم على رفقائه وتأخذ عليه بمأخذ من المعاني وعشرات من الألفاظ فقالت للفرزدق كيف تقول؟
فلما استوت رجلاي في الأرض تالتا ... أحي ترجي أم قتيل تغادره
فقلت أرفعا الأمراس لا يشعروا بنا ... وأقبلت في إعجاز ليل ابادره
أبادر بوابين قد وكلا بنا ... وأحمر من ساج تيص مساعده
ماذا حملك على إفشاء سرها وسرك وهلا سترت عليك وعليها، ثم انثنت سكينة إلى جرير وقالت له أأنت القائل؟
طرقتك صائدة القلوب وليس ذا ... وقت الزيارة وارجعي بسلام
قال نعم، قالت أفلا أخذت بيدها وأنت عفيف وفيك ضعف، ثم ناظرت فيذلك بقية الشعراء، حتى بلغت النوبة جميلاً فأعجبت بقوله:
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... بوادي القرى إني إذن لسعيد
لكل حديث بينهن بشاشة ... وكل قتيل عندهن شهيد
ثم أجازت كل واحد من هؤلاء بما يريد
وكانت سكينه تطرب لشعر الشعراء وتحزن لموتهم فلما مات جميل ذكرت بيته:
فيا ليتني أعمى أصم تعودني ... بثينة لا يخفى عليَّ كلامها
فقالت رحمه الله إنه كان صادقاً في شعره عذرياً في حبه، وإذا اختصم رواة الشعر في عصر سكينة جاؤها لتحكم بينهم وتحسن التفضيل والتعليل، وكان المغنون أيضاً يتبارون في مجلسها بالغناء فتعجب بهم وهي جد طروب، غضة النفس للأنغام فتحشر إليها أصحاب الصوت والتلحين كما فعلت بابن سريج وكان قد نسك وآلى على نفسه أن لا يقول صوتاً فأرسلت إليه خادمها أشعب فأحضره إليها وقضت سمراً غناها به:
وقرت عيني وقد كنت قبلها ... كثير البكاء مشفقاً من صدوها
وبشرة خود مثل تمثال بيعة ... تظل النصارى حوله يوم عيدها
وقد أثر مجلس سكينة في الشعراء والأدباء فكان سبيلاً لتنافسهم في التقرب منها وحضور