فرجع الرجل الصالح إلى الأرض وعاش فيها مرة ثانية، وتصدق بكثير من أمواله على الفقراء، وزار كثيراً من المعابد والأماكن المقدسة فلما جفت ذبالة حياته أخذ لدخول الجنة أهبته.
فقال له الله من جديد:
- من هذا؟
قال الرجل الصالح:
- أنا أيها السيد افتح لي باب جنتك. أنا، أنا ابنك الصالح، لقد عدت من الأرض.
فقال الله:
- والآن أيضاً لا تستطيع أن تدخل الجنة، ارجع إلى الأرض ولا تعد إلا بعد أن تجد الحكمة العلوية.
فرجع الحكيم مرة ثالثة إلى الأرض وهجر منزله وزوجته وابنه الوحيد واعتكف في الحج زماناً طويلاً للبحث عن الحكمة العلوية فوجد الحقيقة بالتأمل والاتحاد ثم انقضت الأعوام أثر الأعوام واظلم سراج حياته فحمل عصاه وصعد إلى السماء وقرع باب الجنة.
فسأله الله من وراء الباب من أنت؟
فقال الرجل الصالح:
- أنت، أنت أيها السيد، أنت أما أنا فقد نسيت نفسي، وأتحدث بذاتك
فقال الله:
- أدخل يا بني، الآن عرفتك
ثم فتح له باب الجنة.
لقد كانت حياتنا نحن الشرقيين في الأزمنة الماضية جميلة جداً، لأننا كنا في غنى عن هذا الوحش الضاري الذي يسمونه الآلة.
وكنا نجد من الوقت متسعاً للتأمل، فنفكر في الصباح والظهر والمساء، عند اشتداد الحر في ظلال الأشجار أو في صحن دارنا الصغيرة.
وكثيراٍ ما كنا نغني ونحن بقرب المغزل أو عندما نحرث الأرض فنعمل بنشاط وفرح